فإن قيل : هَبْ أنه يَلْزَم الكُفْرُ بكل الأنْبِيَاءِ، ولكن لَيْسَ إذا توجَّه بَعْضُ الإلْزَامَاتِ على إنسانٍ، لزِمَ أن يكُون ذَلِك الإنْسَان قَائِلاً به، فإلْزَامُ الكُفْرِ غَيْر [ والتزام الكفر غير ] فالقَوْمُ لمَّا لمْ يَلْتَزِمُوا ذلك، فكَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهم بالكُفْرِ.
فالجواب :[ الإلْزَامُ ] إذا كان خَفِيّاً بحَيْث يُحْتَاج فيه إلى فِكْرٍ وتأمُّلٍ، كان الأمْرُ كما ذَكَرْتم، أمَّا إذا كان جَلِيّاً وَاضِحاً، لم يَبْقَ بَيْن الإلْزَامِ والالْتِزَام فَرْقٌ.
الوجه الثاني : هو أنّ قَبُولَ البَعْضِ دون الكُلِّ إن كان لِطَلَبِ الرِّيَاسَة، كان ذلك في الحقيقة كُفْراً بكل الأنبياء [ عليهم السلام ].
﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [ « وأعتدنا » أي : هَيَّأنَا ] ﴿ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِينا ﴾ ولمَّا ذكر الوعيد، أتْبَعَهُ بذِكْرِ الوَعْدِ؛ فقال :﴿ والذين آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾ الآية.
قد تقدَّم الكلامُ على دخول « بَيْنَ » على « أحَد » في البقرة فأغنَى عن إعادته، وقرأ الجمهور :« سَوْفَ نُؤتيهم » بنونِ العظمة؛ على الالتفات، ولموافقةِ قوله :« وأعْتَدْنَا »، وقرأ حفصٌ عن عاصمٍ بالياء، أعاد الضمير على اسْمِ الله تعالى في قوله :﴿ والذين آمَنُواْ بالله ﴾. وقول بعضهم : قراءة النون أولى؛ لأنها أفْخَمُ، ولمقابلة « وأعْتَدْنَا » ليس بجيِّد لتواتُرِ القراءتَيْنِ.
والمعنى : آمَنُوا باللَّه ورَسُلِهِ كُلِّهِم، ولَمْ يُفَرِّقُوا بين أحد من الرُّسُلِ، يقولون : لا نُفَرِّق بين أحدٍ من رُسُلِه، ﴿ أولئك سوف نؤتيهم أجورهم ﴾ بإيمانِهِم باللَّهِ وكُتُبِهِ ورسُلِهِ، ﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً ﴾ : يغفر سَيِّئاتهم، « رحيماً » بهم.