فصل
قال القُرطبيُّ : معنى قوله - تعالى - :﴿ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ أي : ليس لَهُ ولدٌ ولا وَالِدٌ، فاكْتَفَى بِذْكِرِ أحدهما.
قال الجُرْجَانِيُّ : لفظ الولد يَنْطَلِقُ على الوالدِ والموْلُود، فالوالدُ يُسَمَّى والداً؛ لأنه وَلد، والمَوْلُود يسَمَّى ولداً؛ لأنه [ وُلد ] ؛ كالذُّرِّيَّة [ فإنَّهَا من ذَرَأ ] ثم تُطْلَقُ على الولد، وعلى الوَالِدِ؛ قال - تعالى - :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون ﴾ [ يس : ٤١ ] وقوله - سبحانه - :﴿ وَلَهُ أُخْتٌ ﴾ ؛ كقوله :﴿ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ﴾، والفاء في « فَلَهَا » جوابُ « إنْ ».
فصل في تقييدات ثلاثة ذكرها الرازي في الآية
قال ابن الخطيب : ظَاهِرُ هذه الآية فِيهِ تَقْيِيداتٌ ثلاثة :
الأول : أن ظاهرهَا يَقْتَضِي أن الأخْتَ إنَّما تأخُذ النِّصْفَ عند عدم الولد فأما عند وجود الولد، فإنها لا تأخذ النصف، وليس الأمر كذلك بل شرط كون الأخت تأخذ النصف ألاَّ يكون للميت ولد ابن، وهذا لا يرد على ظاهر الآية؛ لأن المقصُودَ من الآيَةِ بيانُ أصْحَاب الفُرُوضِ ومُسْتَحقِّيها، وفي هذه الصُّورَة إنما تأخذ النِّصْف بالتعصيب لا بكونه مَفْروضاً أصالة، بل لِكَوْنه ما بَقِي بدليل أنه لو كان معها بنتان، فإن لها الثلث الباقي بعد فرض البنتين.
الثاني : ظاهر الآية يَقْتَضِي أنَّه إذا لم يَكُن للميت ولد ولا والِدٌ؛ لأن الأخْت لا ترثُ مع الوالِدِ بالإجْمَاعِ، وهذا لا يرد - أيضاً - على ظاهرِ الآية في الكلالةِ، وشَرطُها عدم الولدِ والوَالِد.
الثالث : أن قوله :« وله أخت » المراد منه الأخت من الأبَوَيْن، ومن الأبِ؛ لأن الأخْتَ من الأم، والأخَ من الأمِّ قد بَيَّن الله حُكْمَه في أوَّل السُّورَة.
وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ يَرِثُهَآ ﴾ لا محلَّ لهذه الجملة من الإعراب؛ لاستئنافها، وهي دالةٌ على جواب الشرط، وليست جواباً؛ خلافاً للكوفيِّين وأبي زيد، وقال أبو البقاء :« وقد سدَّتْ هذه الجملةُ مَسَدَّ جواب الشرط »، يريد أنها دالةٌ كما تقدَّم، وهذا كما يقول النحاة : إذا اجتمع شرطٌ وقسم، أُجِيبَ سابقهما، وجعل ذلك الجوابُ سادّاً مسدَّ جواب الآخر، والضَّميران من قوله :« وهو يَرِثُهَا » عائدان على لفظ امرئ وأخت دون معناهما، فهو من باب قوله :[ الطويل ]