وقال أبو حنيفة رحمه الله : بل يصح، واحتج بقوله :« أوفوا بالعقود » وبقوله :﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ [ الصف : ٢ ]، وبقوله :﴿ يُوفُونَ بالنذر ﴾ [ الإنسان : ٧ ] ﴿ والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ﴾ [ البقرة : ١٧٧ ] ولقوله ﷺ :« أوفِ بنَذْرِكَ ».
وقال الشافعي : هذا نذر معصية، فيكون لغواً؛ لقوله عليه السلام :« لا نذر في معصية الله ».
وقال أبو حنيفة : خيار المجلس غير ثابت؛ لأن البيع والشراء قد انعقدا، فحرم الفسخ لقوله تعالى :﴿ أَوْفُواْ بالعقود ﴾.
وقال الشافعي : يثبت؛ لأن هذا العموم [ قد خص بقوله ﷺ :« المتبايعان بالخيار كل واحد منهما ما لم يتفرقا ».
وقال أبو حنيفة : الجمع بين الطلقات ] حرام؛ لأن النكاح عقد، فوجب أن يحرم رفعه لقوله تعالى :﴿ أَوْفُواْ بالعقود ﴾ تُرك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع، فيبقى فيما عداها على الأصل.
وقال الشافعي : ليس بحرام لتخصيص هذا العموم بالقياس، وهو أنه لو حرم الجمع لما نفذ، وقد نفذ فلا يحرم.
قوله سبحانه :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ لما قرر أولاً جميع التكاليف من حيث الجملة، شرع في ذكرها من حيث التفصيل.
والبهيمة كل ذات أربع في البر والبحر [ وقيل : ما أبهم من جهة نقص النطق والفهم.
قالوا وأصله : كل حي لا عقل له فهو بهيمة ] من قولهم : استبهم الأمر على فلان إذا أشكل، وهذا البابُ مُبْهم، أي : مسدود الطريق، ثم اختص هذا الاسم بذوات الأربع، وكل ما كان على وزن « فعيل » أو « فعيلة » حلقي العين، جاز في فائه الكسر إتباعاً لعينه، نحو : بهيمة، وشعيرة، وصغيرة، وبحيرة.
والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، قال تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ ﴾ [ النحل : ٥ ] إلى قوله :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا ﴾ [ النحل : ٨ ] وقال تعالى :﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً ﴾ [ يس : ٧١ ] إلى قوله :﴿ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ [ يس : ٧٢ ] وقال :﴿ وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشاً ﴾ [ الأنعام : ١٤٢ ].
وقال الواحدي : لا يدخل في اسم الأنعام الحافر؛ لأنه مأخوذ من نعومة الوطء، وقد تقدم في « آل عمران ».
فإن قيل : البهيمة اسم جنس، والأنعام اسم نوع، فقوله :« بَهِيمَةُ الأنعام » يجري مجرى قول القائل : حيوان الإنسان، فالحيوان إن قلنا إن المراد بالبهيمة وبالأنعام شيء واحد، فإضافة البهيمة إلى الأنعام [ إما للبيان ] فهو كقولك : خاتم فضّة، أي : من فضّة، ومعناه [ أنَّ ] البهيمة من الأنعام، أو للتأكيد كقولنا : نفس الشيء وذاته وعينه.
وإن قلنا : المراد بالبهيمة شيء، والأنعام شيء آخر، ففيه وجهان :
أحدهما : أن المراد من بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوها، كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام، ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار، فأضيف الاجترار إلى الأنعام لحصول المشابهة.
والثاني : أن المراد ببهيمة الأنعام أجنة الأنعام، روي عن ابن عباس [ - رضي الله عنهما - ] أن بقرة ذبحت، فوجد في بطنها جنين، فأخذ ابن عباس بذنبه، وقال : هذا من بهيمة الأنعام.


الصفحة التالية
Icon