وجملة الاعتراض إنما تفيد تأكيداً وتسْديداً.
والثاني : أنه يلزم تقييد الأمر بإيفاء العقود بهذه الحالة، ويصير التقدير؛ كما تقدم، فإذا اعتبرنا مَفْهُومه يصير المعنى : فإذا انتفت هذه الحال فلا توفوا بالعقود، والأمر ليس كذلك فإنهم مأمورون بالإيفاء بالعقود على كل حال من إحرام وغيره.
الوجه الثاني : أنه منصوب على الحال من الضمير المجرور في « عليكم » [ أي ] : لا [ ما ] يتلى عليكم، حال انتفاء كونكم محلّين الصيد، وهو ضعيف أيضاً بما تقدم من أن المتلو عليهم لا يتقيد بهذا الحال دون غيرها، بل هو متلو عليهم في هذه الحال، وفي غيرها.
الوجه الرابع : أنه حال من الفاعل المقدر يعني الذي حُذِفَ، وأقيم المفعول مقامه في قوله تعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام ﴾، فإن التقدير عنده : أحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محلي لكم الصيد وأنتم حرم، فحذف الفاعل، وأقام المفعول مقامه، وترك الحال من الفاعل باقية.
وهذا الوجه فيه ضعف من وجوه :
الأول : أن الفاعل المنوب عنه صار نَسْياً مَنْسياً غير ملتفت إليه، نَصُّوا على ذلك، لو قلت : أنزل الغيث مجيباً لدعائهم، وتجعل مجيباً حال من الفاعل المنوب عنه؛ فإن التقدير : أنزل الله الغيث حال إجابته لدعائهم، لم يجز، فكذلك هذا، ولا سيما إذا قيل : بأن بنية الفعل المبني للمفعول بنية مستقلة غير محلولة من بنية مبنية للفاعل كما هو قول الكوفيين، وجماعة من البصريين.
الثاني : أنه يلزم منه [ التقييد بهذه الحال إذا عُني بالأنعام الثمانية الأزواج، وتقييد إحلاله تعالى لهم هذه الثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم والله تعالى قد أحل لهم هذه مطلقاً ].
الثالث : أنه كتب « مُحلّي بصيغة الجمع، فكيف يكون حالاً من الله تعالى، وكأن هذا القائل زعم أن اللفظ » محل « من غير ياء، وسيأتي ما يشبه هذا القول.
الوجه الخامس : أنه منصوب على الاستثناء المكرر، يعني أنه هو وقوله :» إِلاَّ مَا يتلى [ عَلَيْكُمْ ] « مستثنيان من شيء واحد، وهو بهيمة الأنعام.
نقل ذلك بعضهم عن البصريين، قال : والتقدير : إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد، وأنتم محرمون، بخلاف قوله تعالى :﴿ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴾ [ الذاريات : ٣٢ ] على ما سيأتي بيانه.
قال هذا القائل : ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام؛ لأنه مستثنى من الإباحة، وهذا وجه ساقط، فإذاً معناه : أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلِّي الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد.