انتهى.
وقال أبو حيان : إنما عرض الإشكال من جعلهم غير محلّي الصيد حالاً من المأمورين بإيفاء العقود، أو من المحلّل وهو الله تعالى، أو من المتلو عليهم وغرَّهم في ذلك كونه كتب « مُحِلِّي » بالياء، وقدروه هم أنه اسم [ فاعل ] من « أحَلَّ » وأنه مضاف إلى « الصيد » إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة، وأصله غير محلِّين الصيد، إلا في قول من جعله [ حالاً ] من الفعل المحذوف، فإنه لا يقدر حذف نون، بل حذف تنوين، وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله :« مُحِلِّي الصيد » من باب قولهم : حِسَان النِّسَاء، والمعنى : النساء الحسان، فكذلك [ هذا ] أصله غير الصيد المُحلّ، [ والمحل ] صفة للصيد لا للناس، ولا للفاعل المحذوف.
ووصف الصيد أنه « محل » على وجهين :
أحدهما : أن يكون معناه دخل في الحل، كما تقول : أحَلَّ الرجل إذا دخل في الحِلِّ، وأحرم إذا دخل في الحرمِ.
والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حلٍّ أي : حلالاً بتحليل الله تعالى، وذلك أن الصيد على قسمين : حلال وحرام.
ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال، لكنه يختصُّ به شرعاً، وقد تجوزت العرب، فأطلقت الصيد على ما لا يُوصَفُ بحلّ ولا حُرْمة.
كقوله :[ البسيط ]
١٩١٣- لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجَالَ إذَا | مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرَانِهِ صَدَقَا |
١٩١٤- وَقَدْ ذَهَبَتْ سَلْمَى بِعَقْلِكَ كُلِّهِ | فَهَلْ غَيْرُ صَيْدٍ أحْرَزَتْهُ حَبَائِلُهْ |
١٩١٥- وَهِرٌّ تَصِيدُ قُلُوبِ الرِّجَالِ | وَأفْلَتَ مِنْهَا ابْنُ عمْرٍو حُجُرْ |
ومن مَجِيء « أفْعَل » بمعنى صار ذا كذا قولُهُمْ : أعْشَبَتِ الأرضُ وأبْقَلَتْ، وأغَدَّ البعير وألْبَنَتِ الشاة، وغيرُها، وأجْرَتِ الكلبُ، وأصْرَمَ النخل، وأتْلَتِ الناقةُ، وأحْصَدَ الزرعُ وأجْرَبَ الرجلُ، وأنْجبتِ المرأةُ.
وإذا تَقَرَّرَ أنَّ الصيدَ بوَصْفٍ بكونه مُحلاً باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ الحلّ أو صار ذا حِلٍّ، اتَّضَحَ كَوْنُهُ استثناءً ثانياً، ولا يكون استثناءً من استثناء؛ إذ لا يمكنُ ذلك لتناقضِ الحُكْم؛ لأنَّ المستثنى من المحلل مُحرَّمٌ، [ والمستثنى من المحرم محلل ] بل إنْ كان المعني بقوله : بهيمةَ الأنعامِ الأنعام أنفسها، فيكون استثناءً منقطعاً وإنْ كان المرادُ الظِّبَاءَ، وبَقَر الوحْشِ وحُمُرَهُ، فيكون استثناءً متصلاً على أحد تَفْسِيري المحل، استثنى الصَّيدَ الذي بلغ الحلّ في حالِ كونِهِم، مُحْرِمينَ.
فإنْ قُلْتَ : ما فائدةُ هذا الاستثناء بَعْد بُلُوغِ الحل، والصيدُ الذي في الحرم لا يحلّ أيضاً؟
قُلْتُ : الصيدُ الذي في الحرمِ لا يَحِلُّ للمحرم ولا لِغَيْر المحْرِمِ، وإنَّما يحَلّ لِغَيْرِ المحرِمِ الصيدُ الذي في الحلّ، فنبَّهَ بأنَّهُ إذَا كَان الصيدُ [ الذي ] في الحّل يَحْرمُ على المُحْرم - وإنْ كان حَلالاً لِغَيْرِه - فأحْرَى أن يحرم عليه الصيدُ الذي هو بالحَرَمِ، وعلى هذا التفسير [ يكون ] قوله :﴿ إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ إنْ كان المرادُ بِهِ ما جاء بعده مِنْ قوله :