١٩١٦- فَقُلْتُ لَهَا :

فِيئي إليكِ فإنَّني حَرَامٌ وإنِّي بَعْدَ ذَاكَ لَبِيبُ
أيْ : مُلَبٍّ، وأحْرَمَ إذا دَخَل في الحَرَمِ، أو في الإحْرَامِ.
وقال مَكيُ بنُ أبي طالب : هو في موضع نَصْبٍ على الحال [ من ] المضمر في « مُحِلّي »، وهذا هو الصحيحُ.
و [ أما ] ما ذكره الزَّمَخْشَرِيُّ، فلا يَظْهَرُ فيه مجيءُ الحالِ من المضاف إليه في غير المواضع المستثناة.
وقرأ يَحْيَى بنُ وثَّاب، وإبراهيم والحسن « حُرْم » بسكون الراء.
وقال أبو الحسن البصريُّ : هي لغة « تَمِيم » يَعْنِي يُسَكِّنون ضمة « فُعُل » جمعاً، نحو :« رُسْل ». قد تقدم كلامُ المعربين في الآية الكريمة.
قال المفسرون : معنى الآيةِ، أحِلَّتْ لَكُم الأنعامُ كُلُّها، إلا ما كان منها وَحْشِيًّا؛ [ فإنه صَيْدٌ ] لا يَحِلُّ لكم في حال الإحرامِ، وقوله :﴿ لأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ ﴾ استثناءٌ مُجْمل، واستثناءُ المجمل من الكلام المفصل يجعلُ ما بقي بعد الاستثناء مُجْملاً، إلاَّ أن المفسرِينَ أجْمعوا على أنّ المرادَ من هذا الاستثناءِ هو قوله :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَآ أَكَلَ السبع إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب ﴾ [ المائدة : ٣ ] ووجهُ هذا أن قوله ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام ﴾ يقتضي إحْلاَلَها لهم على جميع الوجوهِ، ثُمَّ بيَّن أنّها إنْ كانت مَيْتةً أو موقُوذةً أو مُتردِّيةً أو نَطيحةً أو افترسها السبعُ أو ذُبِحت على غير اسم الله فهي مُحرمةٌ.
وقوله :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصيد ﴾ معناه : أنه لما أحلّ بهيمة الأنعام، ذكر الفرقَ بين صيدها وغيره، فبيَّن أنَّ كُلَّ ما كان صَيْداً، فإنّه حلالٌ في الإحلالِ دُونَ الإحرامِ، وما لم يكنْ صيداً فإنّه حلالٌ في الحاليْنِ جَمِيعاً.
وظاهرُ هذه الآيةِ يَقْتضِي أنّ الصيد مُطْلقاً حَرَامٌ على المُحْرم، [ إلاَّ أنَّه تعالى أباح في آيةٍ أخْرَى أنّ الصيدَ المحرَّمَ على المحْرِم ] إنَّما هو صيدُ البَرِّ لا صيدَ البحرِ، بقوله تعالى :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾ [ المائدة : ٩٦ ] فبيَّن ذلك الإطلاق.
ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ أيْ أنَّ الله تعالى أباح الأنعامَ في جميع الأحوالِ، وأباح الصيد في بعضِ الأحوالِ دُون بعضٍ، فلو قال قائلٌ : ما السببُ في هذا التفصيل والتَّخْصيصِ، كان جوابهُ : أنَّه تعالى مالك الأشياءِ وخالقها فلا اعْتراضَ عليه في حُكْمه.


الصفحة التالية
Icon