قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله ﴾ الآية لما حَرّم [ الله ] الصيد على المحرم نَهَى في هذه الآيةِ عن مخالفةِ تكاليفِ الله تعالى.
قال المُفسِّرون : نزلتْ في الحطم، واسمُه : شُرَيْحُ بنُ ضُبَيْعَةَ البَكْرِيّ، « أتى المدينة، وخَلَّفَ خَيْلهُ خارجَ المدينةِ، ودخل وَحْدَه على النبي ﷺ، فقال [ له :] إلام تدعُو الناس إليه؟، فقال :» إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاةِ «، فقال حسنٌ، إلاّ أنّ لي أمراء لا أقطعُ أمْراً دُونهم، ولَعَلِّي أسْلِمُ وَآتِي بهم، وقد كان النبي ﷺ قال لأصحابه :» يدخلُ عليكم رجلٌ مِنْ رَبيعَة يتكلم بلسانِ شَيْطان « ثم خرج شُرَيْحٌ منْ عنده، فقال رسول الله ﷺ :» لَقَدْ دَخَلَ بوَجْهِ كَافِر، وخرج بِقَفَا غَادِرٍ، وما الرَّجُلُ بِمُسْلمٍ «، فمرّ بِسَرْحِ المدينة فاسْتاقَه وانْطلقَ، فتَبعُوه وَلَمْ يُدْرِكُوه، فلما كان العامُ المقبلُ خرج حَاجًّا في حُجاج بَكْر بن وائلٍ مِنْ اليمَامَةِ، ومعه تجارةٌ عظيمةٌ، وقد قَلَّدُوا الهَدْي، فقال المسلمونَ للنبي ﷺ : هذا الحطم قد خرج حَاجًّا، فخلِّ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ، فقال النبي ﷺ :» إنّه قَدْ قَلَّد الهديَ «، فقالوا : يا رسول الله هذا شيءٌ كنا نفعله في الجاهلية، فأبَى النبي ﷺ » فأنزل الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله ﴾ الآية.
قال ابن عباسٍ ومجاهدٌ : هي مناسِكُ الحج، وكان المشركون يَحُجُّونَ فيهدُونَ، فأراد المسلمون أن يُغِيرُوا عليهم فناههم الله عن ذلك.
وقال أبُو عُبَيْدَة :« شَعَائِرَ الله » هي الهَدَايَا [ المُشْعَرةُ لقوله تعالى :﴿ والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله ﴾ [ الحج : ٣٦ ]، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه تعالى ذكر ﴿ شَعَآئِرَ الله ﴾ ] ثم عطف عليها الهدايا، والمعطوفُ يجبُ أنْ يكون مُغَايِراً للمعطوف [ عليه ]، والإشعارُ من الشعار وهي العلامَةُ، وإشعارُهَا إعلامُهَا بما يُعْرَفُ أنَّها هَدْيٌ، والشَّعَائِرُ جَمْعٌ، والأكثرونَ على أنَّهُ جَمْعُ شَعيرَة.
وقال ابنُ فارسٍ : واحِدَتُهَا شِعَارةٌ، والشَّعِيرةُ : فَعِيلَةٌ بِمَعنى مفعلة والمُشْعَرَةُ : المُعْلَمَةُ، والإشْعَارُ : الإعلامُ، وكُلُّ شَيْءٍ أشْعرَ فقد أعْلم، وهو هاهنا أنْ يُطْعَنَ في صَفحةِ سنَان البَعير بحديدةٍ حَتّى يَسِيلَ الدَّمُ، فيكونَ ذلك علامَةً أنها هَدْيٌ، وهي سنَّةٌ في الهدايا إذَا كانَتْ من الإبل.
وقاسَ الشَّافِعِيُّ البَقَرَ على الإبل في الإشْعارِ، وأمّا الغنمُ فلا تُشْعَرُ بالجرح، فإنها لا تَحْتَمِلُ الجُرْحَ لِضَعْفِهَا.
وعند أبي حَنِيفَةَ لا يُشْعَرُ الهَدْيُ.
وروى عَطِيَّةُ عَنْ ابْنِ عباس :﴿ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله ﴾ في أنْ تَصِيد وأنْتَ مُحْرم لقوله تعالى :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا ﴾.
وقال السُّدِّيُّ : أراد حرمَ الله، وقيل المرادُ النَّهْيُ عَنِ القتلِ في الحرمِ.