وعَنِ الكِسَائيّ - أيضاً - أنَّ جَرَمَ وأجْرَمَ بِمَعْنَى : كَسَبَ غَيْرَهُ فَالْجَرِيمَةُ والجَارِمُ بِمَعْنَى الْكَاسِبِ، وأجْرَمَ فُلانٌ أيْ : اكْتَسَبَ الإثْمَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :[ الوافر ]
١٩١٩- جرِيمَةُ ناهِضٍ في رَأْسِ نِيقٍ | تَرَى العِظَام ما جَمَعتْ صَلِيبا |
قال ابنُ فَارِسٍ : يُقَالُ جَرَمَ وأجْرَمَ، ولا جَرَمَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ : لا بُدَّ وَلاَ مَحَالَةَ [ وأصْلُه ] مِنْ جَرَمَ أيْ : كَسَبَ، فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أحدهُمَا : أنَّهُ مُتَعَدٍّ لِوَاحِدٍ.
والثاني :[ أنَّهُ ] مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ، [ كما أنَّ « كَسَبَ » كَذلِكَ، وأمَّا في الآية الكريمة فلا يكون إلاَّ مُتَعَدِّياً لاثْنَيْن :] أوَّلُهمَا : ضَمِيرُ الْخطَابِ، والثَّانِي :« أنْ تَعْتَدُوا » أيْ : لا يَكْسِبَنَّكُمْ بُغْضُكَمْ لقوم الاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ.
وَقَرَأ عَبْدُ الله « يُجْرِمَنَّكُمْ » بِضَمِّ الياءِ مِنْ « أجْرَمَ » رُبَاعِيّاً.
وقيل : هو بمعنى « جَرَم » كما تقدم عن الكِسَائِي.
وقيل :« أجْرَمَ » مَنْقُولٌ مِنْ « جَرَم » بهمزة التَّعْدِية.
قال الزَّمَخْشَرِيّ :« جَرَمَ » ؛ يجري مَجْرَى « كَسَبَ » في تعْدِيَتهِ إلى مَفْعُولِ وَاحِدٍ وإلى اثْنَيْن، تقولُ : جَرَمَ ذَنْباً أيْ كَسَبَهُ، وجرَمْتَهُ ذَنْباً، أيْ كَسَبْتَهُ إيَّاهُ، ويقال أجْرَمْتُه ذَنْباً على نقل المُتَعَدِّي إلى مفعولٍ بالهمزةِ إلى مَفْعُولَيِْنِ كقولك : أكْسَبْتُهُ ذَنْباً، وعليه قراءةُ عبْدِ الله « وَلاَ يُجْرمَنَّكُمْ » وأوَّلُ المفعوليْنِ على القراءتين ضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ. وثانيهما :« أَنْ تَعْتَدُوا » اه.
وأصلُ هذه المادةِ - كما قال ابنُ عيسَى الرُّمَّانِي - القطعُ، فَجَرَمَ حُمِلَ عَلَى الشَّيءِ لِقَطْعِهِ عَنْ غيره، وجَرَمَ كَسَبَ لانْقِطَاعِهِ إلى الكَسْبِ، وجَرَمَ بِمَعْنَى حَقَّ؛ لأنَّ الحَقَّ يُقْطَعُ عَلَيْهِ.
قَالَ الخَلِيلُ :﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار ﴾ [ النحل : ٦٢ ] أيْ : لقد حَقَّ [ هكذا ] قاله الرُّمانيُّ، فجعل بين هذه الألفاظ قَدْراً مُشْتركاً، وليس عنده مِنْ باب الاشْتِراكِ اللَّفْظِيّ.
و « شَنآن » [ معناه ] : بُغْض، وهو مَصْدَرُ شَنىءَ، أيْ : أبْغَضَ.
وقرأ ابْنُ عَامِرٍ وأبُو بَكرٍ عَنْ عَاصِمٍ « شَنْآنُ » بسُكونِ النُّونِ، والباقون بِفَتْحِهَا، وجَوَّزُوا فِي كُلٍّ منهما أنْ يكونَ مَصْدراً، وأنْ يكُونَ وَصْفاً حَتَّى يُحْكى عَن أبِي عَلِيٍّ أنَّهُ قال : مَنْ زَعَمَ أنَّ « فَعلاَن » إذَا سُكِّنَتْ عَيْنُهُ لَم يكُنْ مَصْدَراً فَقَدْ أخْطَأ، لأنَّ « فَعْلان » بِسُكُونِ الْعَيْنِ قَلِيلٌ في المصَادِرِ، نحو : لَوْيتُه دَيْنَه لَيَّاناً، بَلْ هُوَ كَثير في الصِّفَاتِ نَحْوُ : سَكْرَان وَبَابُهُ و « فَعَلاَن » بالْفَتْحِ قليلٌ في الصفاتِ، قالُوا : حِمَارٌ قَطَوَان، أي : عَسِرُ السير، وتَيْسٌ عَدَوَان.
قال :[ الطويل ]
١٩٢٠-........................... | كَتَيْس ظِبَاءِ الْحُلَّبِ العَدَوَانِ |
١٩٢١- وقَبْلَكَ مَا هَابَ الرِّجَالُ ظُلاَمَتي | وَفَقَّأتُ عَيْنَ الأشْوَسٍ الأبَيَانِ |