« [ بُنِيَ ] الدِّينُ على النَّظَافَةِ »، وقال :« أمَّتِي غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أثَرِ الوُضُوء يَوْمَ القِيَامَةِ ».
والأخبار الواردة في كون الوضوء سبباً لغفران الذنوب كثيرة.
فصل
قال دَاوُد : يجبُ الوضوء لكلِّ صلاة لظاهر الآية لأن قوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة ﴾ يقتضي العموم، [ وقال أكثر الفقهاء : لا يجب ].
قال الفقهاء كلمة « إذَا » لا تفيد العموم؛ لأنَّهُ لو قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت مرة طُلِّقَتْ، فلو دخلت ثانية لم تطلق [ ثانياً ] وإذا قال السيِّد لعبده : إذا دَخَلْتَ السُّوقَ فادْخُلْ على فلان، وقل له كذا وكذا، فهذا لا يفيد الفعل إلا مرة واحدة.
ويمكن أن يجاب بأنَّ التَّكاليف الواردة في القرآن مبناها على التَّكرير وليس الأمر كذلك في الصور التي ذكرتم فإن القرائن الظاهرة دلت على أنه ليس مبنى الأمر فيها على التكرير، وأما الفقهاء فاستدلوا على صحة قولهم بأنَّ النَّبيَّ ﷺ يوم الفتح صلّى صلوات كلّها بوضوء واحد، وجمع يوم الخندق بين أربع صلوات بوضوء واحد.
وأجابَ داودُ بأنَّ خبر الواحد لا يَنْسَخُ القرآن، وقال قومٌ : هو أمر على طريق النّدب، ندب من قام إلى الصلاة أن يجدِّدَ الطَّهَارَة وإن كان على طهرٍ لما روى عبد الله بن حنظلة بن عامر أنَّ رسُولَ الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلم - أمر بالوضوء عند كلِّ صلاة طاهراً، أو غير طاهر، فلما شقّ ذلك عليه أمر بالسّواك عند كل صلاة، وقال قوم : هو إعْلام من الله تعالى ورسوله أن لا وضوء عليه إلا إذا قام إلى الصَّلاة دون غيرها من الأعمال، فأذن له أن يفعل بعد الحدث ما بدا لَهُ من الأفعال غير الصلاة، كما روى ابن عبّاسِ « قال : كنا عند النّبيِّ ﷺ فرجع من الغائط، فأتي بطعام فقيل :» ألا تتوضأ، فقال : لَم أصَلِّ فأتَوضَّأ «.
قوله سبحانه :﴿ فاغسلوا وُجُوهَكُمْ ﴾.
وحدُّ الوجه من [ منابت الشَّعر ] إلى منتهى الذقنِ طولاً، وما بين الأذنين عرضاً يجب غسل جميعه في الوُضوء، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الحاجبين، وأهداب العينين، والشّارب، والعذارِ، والعَنْفَقَةِ وإن كان كثيفه.
وأما العَارِضُ واللِّحية وإن كانت كثيفة لا ترى البَشْرَة من تحتها لا يجب غسل باطنها في الوُضُوءِ، بل يجبُ غسل ظاهرها، وهل يجبُ إمرار الماء لما على ظاهر ما استرسل من اللحية عن الذَّقْنِ؟.
فقال أبُو حنيفة : لا يجب؛ لأنَّ الشَّعر النازل عن حدِّ الرَّأس لا يكون حكمه حكم الرأس في جواز المَسْحِ؛ كذلك النازِل عن حدِّ الوجه لا يكون حكمه حكم الوجه في وجوب غسله، وقال غيره : يجب إمرار الماء على ظاهره؛ لأنَّ الله تعالى أمَرَ بغسل الوَجْهِ، والوجهُ ما يقع به المواجهة، قال ابنُ عباسٍ : يجبُ غسل داخل العينين؛ لأنَّهُ من الوجه، وقال غيره : لا يجبُ للحرج.