وأيضاً يقال : كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة وحلم فلان على فلان ثمَّ كَلَّ عنه إذا تباعد، فسميت القرابةُ البعيدةُ كلالة من هذا الوجه.
وأيضاً يقال : كَلَّ الرَّجُلُ يَكِلُّ كَلاًّ وكَلاَلَةً : إذا أعيا وذهبت قوَّته، فاستعاروا هذا اللفْظ عن القرابة الحاصلة، من غير أولاد لبعدها.
وأيضاً فإنَّهُ تعالى قال ﴿ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الكلالة من لا ولد له ولا والد؛ لأنَّهُ شرط عدم الولد وَورَّثَ الأخت والأخ، وهما لا يرِثان مع وجود الأب.
وروى جابر قال : مَرِضْتُ مَرَضاً شديداً أشرفتُ منه على الموت، فأتاني النبي ﷺ فقلتُ : يا رسول الله إنِّي رَجُلٌ لا يَرِثُنِي إلاَّ كَلاَلَة، وَأرَادَ به أنَّهُ ليس له والد ولا ولد، وهو قول سعيد بن جُبَيْرٍ وإليه ذهب أكثرُ الصَّحَابَةَ.
وروي عن عمر أيضاً أنَّهُ قال : سألت رسول الله ﷺ عن الكلالة فما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيها، ضرب بيده صدري وقال « يَكْفِيك آيَةُ الصَّيْفِ »، وهي الآية الأخيرة من سورة النساء سميت بذلك؛ لأنها نزلت في الصَّيْفِ، ومات ولم يَفْهَمْهَا ولم يقل فيها شيئاً.
وقيل :﴿ الكلالة ﴾ : المالُ الموروث، وهو قول النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ.
وقيل :﴿ الكلالة ﴾ القرابة، وقيل : الوراثة.
فقد تلخص مما تقدم أنَّها [ إمَّا ] الميِّتُ الموروث أو الوارثُ، أو المال الموروثُ، أو الإرْث، أو القرابة.
وأما اشتقاقها : فقيل : هي مشتقة من تَكَلَّلَهُ الشَّيء، أي : أحاط به، وذلك أنَّهُ إذا لم يترك ولداً ولا والداً فقط انقطع طَرَفَاهُ، وهما عَمُودَا نَسَبِهِ وبقي مال الموروثُ لِمَنْ يَتَكَلَّلُهُ نَسَبُهُ، أي : يحيط به كالإكْليلِ.
ومنه « الروضة المكللة » أي : بالزَّهْرِ، وعليه قول الفرزدق :[ الطويل ]

١٧٦٥- وَرِثْتُمْ قَنَاةَالمَجْدِ لاَ عَنْ كَلاَلَةٍ عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ
وقيل : اشتقاقها من « الكلال » وهو الإعْيَاء، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث من بَعْدِ إعياء.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : و « الكلالة » في الأصل : مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوَّةِ من الإعياء.
قال الأعشى :[ الطويل ]
١٧٦٦- فَآلَيْتَ لاَ أرْثِي لَهَا مِنْ كَلاَلَةٍ وَلاَ مِنْ وَحًى حَتَّى تُلاَقِيْ مُحَمَّداً
فاستعير للقرابة من غير جهة الولد والوالد، ولأنَّهَا بالإضافة إلى قرابتهما كأنها كالَّةٌ ضعيفة، وأجاز فيها أيضاً أن تكون صفة على وزن « فَعَالة »، قال :« كالهَجَاجَةِ والفَقَاقَةِ للأحْمَقِ ».
ويقال : رجل كلالة، وامرأةٌ كلالة، وقوم كلالة، لا يثنى ولا يجمع؛ لأنَّهُ مصدر كالدّلالة والوَكَالة.
إذا تقرَّرَ هذا فَلْنَعد إلى الإعراب بعَوْنِ الله، فتقول : يجوز في « كان » وجهان :
أحدهما : ان تكون ناقصة و « رجل » اسمها، وفي الخبر احتمالان :
أحدهما : أنه « كلالة » إن قيل : إنها الميت، وإن قيل : إنَّها الوارث، أو غير ذلك، فَتُقَدَّر حذف مضاف، أي : ذَا كلالة، و « يورث » حينئذٍ في محلَِّ رفع صفة ل « رجل » وهو فِعْلٌ مبنيٌّ للمفعول، ويتعدّى في الأصل لاثْنَيْنِ أقيم الأوَّلُ مقامَ الفاعلِ، وهو ضمير الرَّجُلِ.


الصفحة التالية
Icon