فإن قُلْتَ : إذا رجع الضَّمِيرُ إليهما أفاد استواءَهُمَا في حيازةِ السُّدُسِ من غير مُفَاضَلَةِ الذَّكر للأنثى، فهلْ تبقى هذ الفائدةُ قائمةً في هذا الوجه؟.
قلتُ : نَعَمْ، لأنك إذا قلتَ : السُّدس له أو لواحد مِن الأخِ أو الأخت على التخيير، فقد سَوَّيْتَ بين الذَّكر والأنثى «. انتهى.
وأجمع المفسِّرونَ على أنَّ المراد بالأخ والأخت هاهنا الإخوة من الأمِّ؛ لأنَّ ما في آخر السُّورة يدلُّ على ذلك، وهو كون للأخت النّصف، وللأختين الثُّلثان وللإخوة الذُّكور والإناث للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين، ولقراءة أبِي سَعِيدٍ. وقرأ أبيٌّ » أخ أو أخت من الأم «.
وقرأ سعد بن أبي وقاص » من أم « بغير أداة التَّعريف.
قوله :﴿ فَإِن كانوا ﴾ الواو ضمير الإخوة من الأمِّ المدلول عليهم بقوله :﴿ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾ والمرادُ الذُّكورُ والإناث، وأتى بضمير الذُّكور في قوله :﴿ كانوا ﴾ وقوله :﴿ خَلْفِهِمْ ﴾ تغليباً للمذكَّر على المؤنَّثِ، و » ذلك « إشارةٌ إلى الواحد، أي : أكثر من الواحد، يعني : فإنْ كان مَنْ يَرِثُ زائداً على الواحد؛ لأنَّهُ لا يَصِحُّ أن يقال :» هذا أكثرُ من واحد « بهذا المعنى لتنافي معنى كثير وواحد، وإلاّ فالواحدُ لا كثرة فيه، وتقدَّمَ إعراب » من بعد وصية يوصى بها «.
فصل : في أثر عن أبي بكر -Bه-
قال أبو بكر الصّديق -Bه- في خطبته : ألا إنَّ الآيةَ التي أنزل اللّهُ -تعالى- في أوَّل سورة النِّسَاءِ في بيان الفرائضِ أنزلها في الوَلَدِ، والوالد والأمِّ، والآية الثَّانية في الزَّوْجِ والإخوة من الأمِّ، والآية الَّتي ختم بها سورة الأنفالِ أنزلها في أولي الأرحام ﴿ بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ﴾ [ الأنفال : ٧٥ ].
قوله :﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ ﴾ » غير « نَصْبٌ على الحال من الفاعل في » يوصَى «، وهو ضمير يعود على الرجل في قوله :﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ ﴾، هذا إنْ أُريد بالرَّجل الموروث، وإن أُرِيدَ به الوارثُ كما تَقَدَّمَ، فيعود على الميِّت الموروث المدلول عليه بالوارثِ مِنْ طريقِ الالتزام، كما دلَّ عليه في قوله :﴿ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ﴾، أي : تَرَكَهُ الموروث، فصار التقدير : يوصَى بها الموروثُ، وهكذا أعْرَبَهُ الناس فجعلوه حالاً : الزَّمَخْشَرِيُّ وغيره.
وَردَّهُ أبو حيَّان، بأنَّهُ يُؤدِّي إلى الفَصْلِ بينَ هذه الحال وعامِلها بأجنبيِّ منهما، وذلك أنَّ العَامِلَ فيها ﴿ يوصى ﴾ كما تقرَّرَ.
وقوله :﴿ أَوْ دَيْنٍ ﴾ أجنبي؛ لأنَّهُ معطوف على ﴿ وَصِيَّةٍ ﴾ الموصوفة بالعامل في الحال.
قال : ولو كانَ على ما قالوه من الإعراب لكانَ التركيب :» من بعد وصية يوصى بها غير مضار أو دين «.
وهذا الوجه مانع في كلتا القراءتين : أعني ناء الفعلِ للفاعل، أو المفعول، وتزيدُ عليه قراءة البناء للمفعول وَجْهاً آخَر، وهو أن صاحب الحال غيرُ مذكور؛ لأنَّهُ فاعِلٌ في الأصل، حُذِفَ وأُقِيمَ المفعول مقامه، ألا ترى أنَّكَ لو قلت :» ترسل الرياح مبشراً بها « بكسر الشين يعني » يرسل الله الرياح مبشراً بها « فحذفت الفاعل، وأقمت المفعولَ مُقامَهُ، وجئتَ بالحال من الفاعل لم يَجزْ، فكذلك هذا، ثم خَرَّجه على أحد وجهين :
إما بفعل يَدُّلُ عليه ما قبله من المعنى؛ ويكون عاماً لمعنى ما يتسلَّط على المال بالوصية أو الدِّيْن، وتقديره : يلزمُ ذلك مالَهُ، أو يوجبه [ فيه ] غَير مُضَارٍّ بورثته بذلك الإلزامِ أو الإيجاب.