وإمَّا بفعلٍ مَبْني للفاعل لدلالَةِ المبني للمفعول عليه، أي : يوصي غير مُضارٍّ، فيصيرُ نظير قوله :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ ﴾ [ النور : ٣٦، ٣٧ ] على قراءة من قرأ بفتح الباء.
فصل
اعلم أنَّ الضّرار في الوّصِيَّةِ يقعُ على وجوهٍ :
منها : أن يوصي بأكثر من الثُّلُثِ، أو يُقِرَّ بكلِّ ماله، أو ببعضه لآخر، أو يُقِرَّ على نفسه بدين لا حقيقةَ له دَفْعاً للميراث عن الورثة، أو يُقِرَّ بأنَّ الدّين الذي كان له على فلان قد استوفاه ووصل إليه، أو يبيع شيئاً بثمن رخيص، أو يشتري شيئاً بثمن غالٍ، كلُّ ذلك لغرض ألاّ يصلَ المالُ إلى الورثة، أو يوصي بالثُّلُث لا لوجه اللَّهِ ﷺ :« الإضْرَارُ في الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ »، وعن شَهْر بنِ حَوْشَب عن أبي هريرة -Bه- قال : قال رسول اللَّهِ ﷺ :« إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإذَا لأوْصى وَجَارَ فِي وَصِيّتِه خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِشرِّ عَمَلِهِ؛ فَيدخُل النَّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعِملِ أهْلِ النَّارِ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيَخْتِمُ اللَّهُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ »، وقال ﷺ :« مَنْ قَطَعَ مِيراثاً فَرَضَهُ اللَّهُ -تعالى- قَطَعَ اللَّهُ -تعالى- مِيراثَهُ مِنَ الْجَنَّةِ »، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى بعد هذه الآية :
﴿ تِلْكَ حُدُودُ الله ﴾ [ النساء : ١٣ ] قال ابنُ عبَّاسٍ : في الوصيَّةِ ﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ [ النساء : ١٤ ] قال : في الوصِيَّةِ.
فصل هل يجب إخراج الزكاة والحج من التركة؟
قال الشَّافِعِيُّ : إذَا أخَّرَ الزَّكاةَ والحج حتَّى مات يجب إخراجهما من التَّركة.
وقال أبو حَنِيفَةَ :« لا تجب ».
حجَّةُ الوجوب أنَّهَا دينٌ، وقال تعالى :﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ﴾.
وقال عليه الصَّلاة والسَّلامُ :« أرَأيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أبِيكَ دَيْنٌ » وقال عليه السلام :« دينُ اللَّهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى ».
قوله :﴿ وَصِيَّةٍ ﴾ في نصبها أربعة أوجه :
أحدها : أنَّهُ مصدرٌ مؤكَّد، أي : يوصيكم اللَّهُ [ بذلك ] وَصِيَّة.
الثَّاني : أنها مصدر في موضع الحال، والعامل فيها ﴿ يُوصِيكُمُ الله ﴾ قاله ابنُ عَطِيَّةَ.
والثَّالِثُ : أنها منصوبةٌ على الخروج إمَّا مِنْ قوله :﴿ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس ﴾، أو من قوله :﴿ لِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثلث ﴾، وهذه عبارةٌ تشبه عبارة الكوفيين.
والرَّابعُ : أنَّها منصوبةٌ باسم الفاعل وهو ﴿ مُضَآرٍّ ﴾ والمُضَارَّة لا تقع بالوصيَّةِ بل بالورثة، لكنَّه لَمَّا وّصَّى اللَّهُ -تعالى- بالورَثَة جَعَلَ المُضَارَّة الواقعة بهم كأنها واقعة بنفس الوصيّة مُبَالَغةً في ذلك، وَيُؤيَّدُ هذا التخريج قراءة الحسن :﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ الله والله ﴾ بإضافة اسم الفاعل إليها على ما ذكرناه من المجاز، وَصَارَ نظير قولهم :« يا سارِقَ الليلةَ »، التقدير : غير مضار في وصية من الله، فاتُّسعَ في هذا إلى أنَّ عُدَّيَ بنفسه من غير واسطةٍ، لما ذكرنا من قَصْد المبالغة، وهذا أحْسَنُ تخريجاً من تخريج أبي البَقَاءِ فإنَّهُ ذكر في تخريج قراءة الحَسَنِ وجهين :
أحدهما : أنَّهُ على حذف « أهل » أو « ذي » أي : غير مضارِّ أهل وصيَّةٍ، أو ذي وَصِيَّة.