وأجيب بأنَّا أجمعنا على أنَّ هذا الوعيد مختصٌّ بعدم التَّوْبَةِ؛ لأنَّ الدَّليل دَلَّ على أنَّهُ إذا تابَ لم يبق هذا الوعيد فكذلك يجوز أن يكون مشروطاً بعدم العَفْوِ، فإنَّ بتقدير قيام الدلالة على حصول العفو يمتنع بقاء هذا الوعيد عند حصول العفوِ، ونَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَا الدلائل الدّالة على حصول العفو، ثمَّ نقول : هذا العموم مخصوصٌ بالكافر لوجهين :
الأوَّلُ : أنا إذا قلنا لكم : ما الدَّليلُ على أنَّ كلمة « من » في معرض الشَّرط تفيد العموم؟ قلتم : لأنَّهُ يصحُّ الاستثناء، [ منه، والاستثناء ] يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه، فنقول : إنْ صح هذا الدَّليل فهو يَدُلُّ على أنَّ قوله ﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ يختص بالكافرِ؛ لأن جميع المعاصي يَصِحُّ استثناؤها من هذا اللفْظِ، فَيُقَالُ : ومن يعص الله ورسوله إلاَّ فِي الكُفْرِ، وإلاَّ في الفسق، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فهذا يقتضي أن قوله :﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ في جميع أنواع المعاصي والقبائح، وذلك لا يتحقَّق إلاَّ فِي حَقِّ الكافِرِ، وقوله : الإتيان بجميع المعاصي محال قال : ةذلك لأنَّ الإتيان باليهوديَّة والنصرانيَّة والمجوسية معاً محال، فنقول : ظاهر اللَّفظ يقتضي العموم إلاَّ إذَا قَامَ مُخَصَّصٌ عقليّ أو شرعيّ، وعلى هذا التقدير يسقط سؤالهم.
والوجه الثاني : في بيان تخصيص العموم بالكافر، أنَّ قوله :﴿ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ يفيد كونه فاعلاً للمعصية والذّنب، فقوله :« ويتعد حدوده » لو كان المرادُ منه عينُ ذلك للزم التّكرار، وهو خلافُ الأصْلِ فوجب حمله على الكفر، وقولهم : تحمل هذه الآية على تعدّي الحدود المذكورة في المواريث.
قلنا : هَبْ أنَّ الأمرَ كذلك إلاَّ أنَّهُ يسقط ما ذكرناه من السُّؤال بهذا الكلام؛ لأنَّ التَّعدي في حدود المواريث تارة [ يكون ] بأن يعتقد أنَّ تلك التَّكاليف، والأحكام حقٌّ وواجبة القبول، إلاَّ أنَّهُ يتركها، وتارة [ يكون ] بأن يعتقد أنَّهَا واقعة لا على وجه الحكمة والصَّواب، فيكون هذا هو الغاية من تعدي الحدود وأمَّا الأوَّلُ فلا يكاد يطلقُ في حَقِّهِ أنه تعدى حدود اللهِ، وَإلاَّ لزم وقوع التَّكرار، فعلمنا أنَّ هذا الوعيد مختصّ بالكافر الذي لا يرضى بما قسمه اللهُ من المواريث.
فصل
قال ابن عبَّاسٍ : الإضرار في الوصيَّة من الكبائر؛ لأنَّهُ عَقَّبَ هذه الآية بالوعيد.
وفي الحديث « إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلَ بعَمَلِ أهْلِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَحِيفُ فِي وَصِيَّتِهِ فيختم له [ اللهُ ] بشر عمله فيدخل النار، وإنَّ الرَّجل ليعمل بعمل أهل النَّار سبعين سنةً فيعدلُ في وصيَّتِه فيختم له بخير فيدخل الجنة ».
وفي الحديث :« مَنْ قَطَعَ مِيراثاً فرضه اللهُ ميراثه من الجنة » والزيادة في الوصيَّة تدل على الحسرة وذلك من أكبر الكبائر.