والثاني : أنه بمعنى فَعَلَ، ويدلّ عليه قراءة عبد الله.
قال أبُو البَقَاءِ :« وَدَخَلَ حَرْفُ الجرِّ في المفعول؛ لأن المعنى :» تتخالفون : يعني أن الأصل تعدية « تسألون » إلى الضمير بنفسه، فلما ضُمِّن « تتخلفون » عُدِّي تَعْدِيَتَه «.
قوله :﴿ والأرحام ﴾ الجمهور نصبوا الميم، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه عطف على لفظ الجلالة، أي : واتقوا الأرحام أي : لا تقطعوها، وقَدَّرَ بعضهم مضافً أي : قَطْعَ الأرحام.
ويقال : إنَّ هذا في الحقيقةِ من عطف الخاصِّ علا العام، وذلك أن معنى اتقوا الله؛ اتقوا مخالَفَتَه، وقَطْعُ لأرحام مندرج فيه، وهذا قول مجاهد وقتادة والسَّدي والضحاك والفرّاء والزّجّاج.
قال الواحدي : ويجوز أن يكون منصوباً بالإغراء، أي : والأرحام احفظوها وصلوها كقولك : الأسدَ الأسدَ، وهذا يَدُلُّ على تحريم قطعيةِ الرحم ووجوب صلته.
والثاني : أنه معطوف على محل المجرور في » به «، نحو : مررت بزيد وعمراً، ولمَّ لم يَشْرَكه في الإتباع على اللفظ تبعه على الموضع، وه يؤيده قراءة عبد الله » وبالأرحام «.
وقال أبو البقاء : تُعَظِّمُونه والأرحام، لأنَّ الحَلْفَ به تَعْظِيم له »،
وقرأ حمزة « والأرحامِ » بالجر، قال القفال : وقد رويت هذه القراءة عن مجاهد وغيره، وفيها قولان.
أحدهما : أنه عَطَفَ على الضمير المجرور في « به » من غير إعادة الجار، وهذا لا يجيزه البصريون، وقد تَقَدَّم تحقيقُ ذلك، وأن فيها ثلاثةَ مذاهب، واحتجاج كل فريق في قوله تعالى :﴿ وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] وقد طَعَنَ جَمَاعَةٌ في هذه القراءة، كالزجاج وغيره، حتى يحكى عن الفراء الذي مذهبه جوازُ ذلك أنه قال : حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم، قال :﴿ والأرحام ﴾ بخفض [ الأرحام ] هو كقولهم :« أسألك باللَّهِ والرحمِ » قال :« وهذا قبيح؛ لأنَّ العرب لا ترُدُّ مخفوضاً على مخفوضٍ قَدْ كُنِي به، وَضَعَّفَهُ بَعْضُهمُ بأنه عطف للمظهر على الضمير، وهو لا يجوز.
قال ابن عيس : إنهم لم يستحسنوا عطف المظهر على الضمير المرفوع، فلا يجوز أن يقال :» اذهب وزيد « و » ذهبت وزيدا «، بل يقولون : اذهبْ أنت وزيد وذهبت أنا وزيد، قال تعالى :﴿ فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] مع أن الضمير المرفوع قد ينفصل، فإذا لم يجز عطف المظهر على الضمير المرفوع مع أنه أقوى من الضمير المجرور، بسبب أنه قد ينفصل؛ فلأن لا يجوز عطف المظهر على الضمير المجرور، مع أنه [ لا ] ينفصل أَلْبَتَّةَ أولى.
والثاني : أنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم وهو خفض بحرف القسم مقسم به، وجوابُ القسمِ ﴿ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ وضُعِّفَ هذا بوجهين :
أحدهما : أن قراءتي النصبِ وإظهار حرفِ الجر في ب » الأرحام « يمنعان من ذلكَ، والأصلُ توافق القراءات.