قال شهابُ الدِّينِ : وفي قوله « وضع الظاهر موضع المضمر » نظر؛ لأنَّهُ لو كان الأصل كذلك لأوهَمَ أنَّ الجميع آتوا الأزْوَاجَ قنطاراً كما لم تقدم وليس كذلك.

فصل [ حكم المغالاة في المهر ]


قالوا : دَلَّتِ الآية على جواز المغالاة في المهر.
رُوِيَ أنَّ عرم بن الخطاب قال على المِنْبَرِ :« ألاَ لاَ تُغَالُوا في مهور نِسَائكُم » فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب الله يعطينا وَأنْتَ تمنع، وتلت الآية فقال عمر : كلّ الناس أفْقَهُ مِنْكَ يا عكرُ، ورجع عن ذلك.
قال ابن الخطيب : وعندي أنَّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة؛ لأن قوله ﴿ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً ﴾ لا يدل على جواز إيتاء القنطار، كما أن قوله ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] لا يدل على حصول الآلهة فالحاصل أنَّهُ لا يلزم مكن جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع.
قال ﷺ :« من قُتل له قتيلٌ فأهله بين خيرتين » ولم يلزم منه جواز القتل، وقد يقول الرجل : لو كان الإله جسماً لكان محدثاً، وهذا حق، ولا يلزم منه أن [ قولنا ] الإله جسم حق.

فصل


يدخل في الآية ما إذَا كان آتَاهَا مهرها، وما إذا لم يؤتها؛ لأنه
إذَا أوقع العقد على الصداق فقد آتاها ذلك الصداق في حكم الله فلا فرق بين ما إذا آتاها الصداق حساً، وبين ما إذا لم يؤتها.

فصل [ في الخلوة الصحيحة هل تقرر المهر؟ ]


احتج ابُو بكر الرازي بهذه الآيةَ على أنَّ الخلوة الصحيحة تقرر المهر.
قال : لأنَّ اللهَ تعالى منع الزوج من أنْ يأخذ منها شيئاً من المهر، وهذا المنع مطلق ترك العمل قبل الخلوة؛ فوجب أن يكون معمولاً به بعد الخلوة.
قال : ولا يجوز أن يقال إنَّه مخصوص بقوله تعالى :﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾ [ البقرر : ٢٣٧ ] لأن الصحابة اختلفوا في تفسير المسيس.
فقال عمر وعلي -Bهما- : المراد من المسيس : الخلوة.
وقال عبد الله : هو الجماع إذَا صار مختلفاً فيه امتنع جعله مخصصاً لعموم الآية.
وأجيب أنَّ هذه الآية هنا مختصة بعد الجماع لقوله :﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ ﴾ وإفضاء بعضهم إلى بعض، هو الجماع على ما سيأتي.

فصل [ سوء العشرة هل يوجب العوض ]


سُوءُ العشرة إنْ كان من قِبَلِ الزوجة حَلَّ أخذ بدل الخُلْعِ؛ لقوله :﴿ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ُلِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ وإن كان من قِبل الزوج، كثرِهَ له أن يأخذ من مهرها شيئاً؛ لأنه نهى في هذه الآية عن الأخذ، ثم إن خالف وفعل ملك بدل الخُلْعِ كما أنَّ البيع وقت النداء منهي عنه، ثم إنه يفيد الملك.


الصفحة التالية
Icon