وقال قوم :
إنَّهَا نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله عنه -؛ لأنَّه - ﷺ - « لما دفع الراية إلى عَلِيّ قال : لأدْفَعَنَّ الرَّاية إلى رَجُلٍ يحبُّ الله ورسُوله ».
قوله تعالى :﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين ﴾.
هاتان أيضاً صِفَتَان ل « قَوْم »، واستدلَّ بعضُهم على جواز تَقْدِيم الصِّفَة غير الصَّريحة على الصِّفَة الصَّريحة بهذه الآية، فإن قوله تعالى :« يُحِبُّهم » صِفةٌ وهي غير صَرِيحةٌ؛ لأنَّها جملة مؤوَّلة بمفْرَد، وقوله :« أذلّة - أعزّة » صِفتَان صريحَتَان؛ لأنَّهُمَا مفردتان، وأما غيره من النَّحْوِيِّين فيقول : متى اجْتَمَعَت صِفَةٌ صَرِيحة، وأخرى مؤوَّلة وَجَبَ تقدِيم الصَّريحة، إلاَّ في ضرورة شِعْرٍ، كقول امْرِئ القيس :[ الطويل ]

١٩٨٥- وَفَرْعٍ يُغَشِّي الْمَتْنَ أسْوَدَ فَاحِم أثيثٍ كقِنْوِ النَّخْلَةِ المُتَعَثْكِلِ
فقدَّم قوله :« يُغَشِّي » - وهو جملة - على « أسْوَد » وما بعده، وهُنَّ مفردات، وعِند هذا القَائِل أنه يُبْدَأ بالمُفْرَد، ثم بالظَّرْف أو عديله، ثم بالجُمْلة، وعلى ذلك جاء قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾ [ غافر : ٢٨ ] ﴿ وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [ الأنعام : ١٥٥ ].
قال أبو حيَّان : وفيها دليل على بطلان من يَعْتَقِد وجوب تَقْديم الوصْفِ بالاسْمِ على الوَصْف بالفِعْل إلا في ضَرُورَة، ثُمَّ ذكر الآية الآخرى.
قال شهاب الدين : وليْسَ في هاتين الآيتين الكَرِيمتين ما يَرُدُّ قول هذا القَائِل، أمَّا هذه الآية فيحتمل أن يكون قوله تعالى :« يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه » جملة اعتراض، لأنَّ فيها تأكيداً وتَشدِيداً للكلام.
وجملة الاعْتِرَاض تقع بين الصِّفة ومَوْصُوفها، كقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [ الواقعة : ٧٦ ] ف « عَظِيم » صفة ل « قَسَم »، وقد فصل بينهما بقوله :« لَوْ تَعْلَمُون »، فكذلك فصل هنا بين « بِقَوْم »، وبين صفتهم وهي « أذِلَّة - أعِزَّة » بقوله :« يُحِبُّهم ويُحِبُّونه »، فعلى هذا لا يكون لها مَحَلٌّ من الإعراب.
وأمَّا ﴿ وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [ الأنعام : ١٥٥ ] فلا نسلّم أن « مباركٌ » صفة، ويجوز أن يكون [ خبر مبتدأ محذوف، أي : هو مُبارك ] ولو استدلَّ على ذلك بآيتين غير هاتَيْن لكان أقْوى، وهما قوله تعالى :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ [ الأنبياء : ٢ ]، ﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ ﴾ [ الشعراء : ٥ ] فقدَّم الوصف بالجار على الوَصْفِ بالصَّرِيح، وكذا يحتمل أن يُقَال : لا نسلِّم أن « مِنْ رَبِّهم » و « مِنَ الرَّحْمن » صفتان لجواز أن يكونا حاليْنِ مُقدَّمين من الضَّمِير المسْتَتِر في « مُحْدَث » أي : مُحَدث إنزالهُ حال كَوْنه من رَبِّهِم.


الصفحة التالية
Icon