وقوله :« ولا يجُوز أن يكُونَ حالاً » يعني : أنَّه لو تَأخَّر بعد « أن آمَنَّا » لَفْظَة « مِنّا »، لجاز أن تكون حَالاً من المصْدر المؤوَّل من « أنْ » وصلَتِها، ويَصِير التَّقْدِير : هل تكرهون إلاَّ الإيمان في حال كونه « منا »، لَكِنَّهُ امتنع من تقدُّمِهِ على « أنْ آمنَّا » للوجهين المذكورين.
أحدهما : تقدُّمه على « إلاّ » ويعني بذلك : أن الحال لا تتقدم على « إلاَّ ».
قال شهابُ الدِّين : ولا أدري ما يمنع ذلك لأنه إذا جعل « مِنَّا » حالاً من « أن » و « ما » في حيزها كان حال الحال مقدراً، ويكونُ صاحب الحال محصوراً، وإذا كان صاحب الحال محصوراً وَجَبَ تقديم الحال عليه، فيقال :« مَا جَاءَ رَاكِباً إلاَّ زَيْدٌ »، و « ما ضَربْتُ مَكْتُوفاً إلا عَمْراً »، ف « راكباً » و « مكتوفاً » حالان مقدمان وجوباً لحصر صاحبيهما فهذا مثله.
وقوله :« [ والثاني : تقدُّم الصلة على الموصول ] لم تتقدَّم صلة على موصول.
بيانه : أنَّ الموصول هو » أنْ «، والصلة » آمَنَّا «، و » منَّا « ليس متعلّقاً بالصلة، بل هو معمول لمقدَّر، ذلك المقدر في الحقيقة منصوب ب » تنقمون «، فَمَا أدْرِي ما توهمه حتى قال ما قال؟
على أنه لا يجوز أن يكون حالاً، لكن لا لما ذكر؛ بل لأنه يؤدي إلى أنه يصير التقدير :» هَلْ تَنْقِمُونَ إلا إيماننا منا « فمن نفس قوله :» إيماننا « فهم أنَّه منَّا، فلا فائدة فيه حينئذٍ.
فإن قيل : تكون حالاً مؤكدة.
قيل : هذا خلاف الأصل، وليس هذا من مَظَانِّهَا، وأيضاً فإنَّ هذا شبيه بتهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه، فإن » تَنْقِمُونَ « يطلب هذا الجار طلباً ظاهراً.
وقرأ الجمهور » وما أنزل إلَيْنَا وما أنزل [ مِنْ قَبْل ] « بالبناء للمفعول فيهما، وقرأ أبو نهيك :» أنْزل، وأنْزل « بالبناء للفاعل، وكلتاهما واضحة.
فصل
المعنى : قُلْ لأهل الكتاب : لِمَ اتخذتم هذا الدين هزواً ولعباً، ثم قال على سبيلِ التعجب : هل تجدون في هذا الدين إلا الإيمان بالله؟! فهو رَأسُ جميع الطاعات، وإلاَّ الإيمان بمحمد، وبجميع الأنبياء فهو الحق والصدق؛ لأنه إذا كان الطريق إلى تصديق بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في ادعاء الرسالة والنبوة هو المعجزة.