وفي عبارته بعض علاقة وهي قوله :« فَلِمَ شورك بينهم » أي : بين اليهود وبين المؤمنين.
وقوله :« من الفريقين » يعني بهما أهل الكتاب المخاطبين ب « أنبئكم »، ومَنْ لعنه الله وغضب عليه، وقوله :« في العقوبة »، أي : التي وقعت المثوبة موقعها، ففسرها بالأصل، وفسَّر غيره المثوبة هنا بالرجوع إلى الله - تعالى - يوم القيامة، ويترتب على التفسيرين فائدة تظهر قريباً.
قال القرطبي : المعنى فبشِّر من نقمكم علينا، وقيل : من شر ما تريدون لنا من المكروه، وهذا جواب لقولهم :« ما نعرف ديناً أشرَّ من دينكم ».
و « مَثُوبَةً » نصبٌ على التمييز، ومميَّزُها « شَرٌّ »، وقد تقدَّم في البقرة الكلامُ على اشتقاقها ووزنها، فَلْيُلْتَفَتْ إليه. قوله تعالى :« عِنْدَ الله » فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلقٌ بنفس « مَثُوبَةٌ »، إن قُلْنا : إنها بمعنى الرجوع؛ لأنك تقول :« رَجَعْتُ عِنْدَهُ »، والعندية هنا مجازية.
والثاني : أنه متعلِّق بمحذوف؛ لأنه صفة ل « مَثُوبَةً »، وهو في محلِّ نصبٍ، إن قلنا : إنها اسمٌ مَحْضٌ وليستْ بمعنى الرجوعِ، بل بمعنى عقوبة.
وقرأ الجمهورُ :« أنَبِّئُكُمْ » بتشديد الباء من « نَبَّأ »، وقرأ إبراهيم النَّخَعِيُّ ويحيى بْنُ وثَّابٍ :« أنْبِئُكُمْ » بتخفيفها من « أنْبَأَ »، وهما لغتان فصيحتان، والجمهور أيضاً على « مَثُوبَة » بضم الثاء وسكون الواو، وقرأ الأعرَجُ وابن بُرَيْدَة ونبيح وابن عمران :« مَثْوبة » بسكون الثاء وفتح الواو، وجعلها ابن جِنِّيّ في الشذُوذِ؛ كقولهم « فَاكِهَةٌ مَقْودَةٌ للأذَى »، بسكون القاف وفتح الواو، يعني : أنه كان من حقِّها أن تُنْقَلَ حركةُ الواو إلى الساكن قبلها، وتُقْلب الواوُ ألفاً، فيقال : مَثَابَة ومقادَة كما يقال :« مَقَام » والأصل :« مَقْومٌ ».
قوله تعالى :« مَنْ لَعَنَهُ » في محلِّ « مَنْ » أربعةُ أوجه :
أحدها : أنه في محلِّ رفع على خبر مبتدأ مضمرٍ، تقديره : هُوَ مَنْ لَعنَهُ الله فإنه لما قال :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك ﴾، فكأنَّ قَائِلاً قال : من ذلك؟ فقيل : هو من لَعَنَهُ الله.
ونظيرُهُ قوله تعالى :﴿ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذلكم النار ﴾ [ الحج : ٧٢ ] أي : هو النار.
وقدَّر مكيٌّ قبله مضافاً محذوفاً، قال :« تقديرُه : لَعْنُ مَنْ لَعَنَهُ الله »، ثم قال : وقيل :« مَنْ » في موضعِ خَفْضٍ على البدلِ من « بِشَرٍّ » بدلِ الشيء من الشَّيْء، وهو هو، وكان ينبغي له أن يقدِّرَ في هذا الوجه مضافاً محذوفاً؛ كما قدَّره في حالة الرفع؛ لأنه إنْ جَعَلَ « شَرًّا » مراداً به معنًى، لزمه التقديرُ في الموضعين، وإن جعله مراداً به الأشخاصُ، لزمَهُ ألاَّ يُقَدَّر في الموضعَيْن.


الصفحة التالية
Icon