وقرأ الحسنُ أيضاً في روايةٍ أخرى كهذه القراءة، إلا أنه جَرَّ « الطَّاغُوت » وهي واضحةٌ، فإنه مفرد يُرادُ به الجنسُ أضيفَ إلى ما بعده، وقرأ الأعْمَشُ والنخَعِيُّ وأبو جعفر :« وعُبِدَ » مبنيًّا للمفعول، « الطَّاغُوتُ » رفعاً، وقراءة عبد الله كذلك، إلا أنَّه زاد في الفعل تاء التأنيث، وقرأ :« وعُبِدَتِ الطَّاغُوتُ » والطاغوتُ يذكَّر ويؤنَّث؛ قال تعالى :﴿ والذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا ﴾ [ الزمر : ١٧ ] وقد تقدَّم في البقرة [ الآية : ٢٥ ]، قال ابن عطية :« وضَعَّفَ الطبريُّ هذه القراءةَ، وهي متجهةٌ »، يعني : قراءةَ البناءِ للمفعولِ، ولم يبيِّنْ وجهَ الضعفِ، ولا توجيهَ القراءة، ووجهُ الضعْفِ : أنه تخلو الجملة المعطوفة على الصِّلَةِ من رابطٍ يربُطُها بالموصولِ؛ إذ ليس في « عُبِدَ الطَّاغُوتُ » ضميرٌ يعودُ على « مَنْ لَعَنَهُ الله »، لو قلت :« أكْرَمْتُ الذينَ أهَنْتَهُمْ وضُرِبَ زَيْدٌ » على أن يكون « وضُرِبَ » عطفاً على « أكْرَمْتُ » لم يَجُزْ، فكذلك هذا، وأمَّا توجيهُها، فهو كما قال الزمخشريُّ : إنَّ العائدَ محذوفٌ، تقديرُه :« وعُبِدَ الطَّاغُوتُ فِيهِمْ أوْ بِيْنَهُمْ ».
وقرأ ابن مسعُود في رواية عبد الغفَّار عن علقمة عنه :« وعَبُدَ الطَّاغُوتُ » بفتح العين، وضمِّ الباء، وفتحِ الدالِ، ورفعِ « الطَّاغُوتُ »، وفيها تخريجان :
أحدهما :- ما ذكره ابن عطية - وهو : أن يصيرَ له أنْ عُبِدَ كالخُلُقِ والأمْرِ المعتاد المعروفِ، فهو في معنى فَقُهَ وشَرُفَ وظَرُفَ، قال شهاب الدين : يريد بكونه في معناه، أي : صار له الفِقْهُ والظَّرْفُ خُلُقاً معتاداً معروفاً، وإلاَّ فمعناه مغايرٌ لمعاني هذه الأفعال.
والثاني :- ما ذكره الزمخشري - وهو : أنْ صارَ معبوداً من دونِ الله ك « أمُرَ »، أي : صَارَ أميراً، وهو قريبٌ من الأوَّلِ، وإنْ كان بينهما فرقٌ لطيفٌ.
وقرأ ابن عبَّاس في رواية عِكْرِمة عنه ومُجَاهِد ويحيى بن وثَّاب :« وَعُبُدَ الطَّاغُوتِ » بضم العين والباء، وفتح الدال وجر « الطَّاغُوتِ »، وفيها أقوال :
أحدها :- وهو قول الأخفش - : أنَّ عُبُداً جمع عَبِيدٍ، وعَبِيدٌ جَمْعُ عَبْدٍ، فهو جمعُ الجمعِ، وأنشد :[ الرمل ]
١٩٩٤- أنْسُبِ الْعَبْدَ إلى آبَائِهِ | أسْوَدَ الْجِلْدَةِ مِنْ قَوْمٍ عُبُدْ |