﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ ﴾ [ النحل : ١٨ ].
والجوابُ : إن اخْتَرْنَا تفسير اليد بالقُدْرَة، كان الجوابُ عن الإشْكَال المذكُور : أنَّ القوْم جعلوا قولهم :﴿ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ ﴾ كناية عن البُخْلِ، فأجيبوا على وِفْقِ كلامهم، فقيل :﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾، أي : ليس الأمْرُ على ما وَصَفْتُمُوه من البُخْلِ، بل هو جوادٌ على سَبيلِ الكمال، وأنَّ من أعْطَى بيده فَقَدْ أعْطَى عطاءً على أكْمَل الوُجُوهِ.
وأمَّا إن اخترنَا تفسير اليد بالنِّعْمَةِ، كان الجوابُ عن الإشْكَال المذْكُور من وجهين :
الأول : أنَّ التَّثْنِيَةَ بحسَبِ الجِنْسِ يُدخِلُ تحت كُلِّ واحدٍ من الجِنْسَيْنِ أنْوَاع لا نِهَاية لها نِعْمَة الدنيا ونعمة الدين، ونعمة الظاهر ونعمة الباطن، ونعمة النفع ونعمة الدفع، ونعمة الشدة ونعمة الرخاء.
الثاني : أنَّ المُرادَ بالتَّثْنِيَةِ المُبَالَغَةُ في وَصْفِ النِّعْمة، ألا ترى قولك « لَبَّيْكَ »، معناه : مُساعدةٌ بعد مُسَاعَدة، وليس المراد [ منه طاعتين ] ولا مُساعدتَيْن، فكذلك الآيَة معناها : أنَّ النِّعْمَة مُتَظَاهِرَةٌ مُتَتَابِعَةٌ، ليْسَت كما ادَّعَى اليَهُودُ أنَّهَا مَقْبُوضَةٌ مُمْتَنِعَة.
قوله :﴿ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ في هذه الجملة خمسةُ أوجه :
أحدها - وهو الظاهر - : أنْ لا محلَّ لها من الإعراب؛ لأنها مستأنفة.
والثاني : أنها في محلِّ رفع؛ لأنها خبر ثان ل « يَدَاهُ ».
والثالث : أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الضميرِ المستكنِّ في « مَبْسُوطَتَانِ » ؛ وعلى هذين الوجهين؛ فلا بُدَّ من ضمير مقدَّرٍ عائدٍ على المبتدأ، أو على ذي الحال، أي : ينفقُ بهما، وحذفُ مثل ذلك قليلٌ، وقال أبو البقاء :﴿ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ مستأنفٌ، ولا يجوزُ أن يكون حالاً من الهاء - يعني في « يَدَاهُ » -؛ لشيئين :
أحدهما : أنَّ الهاءَ مضاف إليها.
والثاني : أنَّ الخبر يفْصِل بينهما، ولا يجوز أن تكون حالاً من اليدين؛ إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما. [ قال شهاب الدين ] : قوله :« أحدهما : أنَّ الهاء مضاف إليها » ليس ذلك بمانع؛ لأن الممنوع إنما هو مجيءُ الحَالِ من المضافِ إليه، إذا لم يكن المضافُ جزءاً من المُضافِ إليه، أو كجزئه أو عاملاً فيه، وهذا من النوع الأول، فلا مانع فيه، وقوله :« والثاني : أن الخبر يفصلُ بينهما » هذا أيضاً ليس بمانعٍ، ومنه :﴿ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ] إذا قلنا : إن « شَيْخاً » حالٌ من اسم الإشارة، والعامل فيه التنبيه.


الصفحة التالية
Icon