فصل
قال المُفَسِّرون : إن بَنِي إسرائيل كانوا اثْنَيْ عشر سِبْطاً، واختار الله من كل سِبْط رجلاً يكون نَقِيباً لهم وحَاكِماً فيهم.
وقال مجاهد : إن النقبَاء بعثوا إلى مدينة الجَبَّارين الذين أمر مُوسى بالقتال مَعَهُمْ ليقفُوا على أحْوَالِهِمْ، ويرجعوا بذلك إلى نَبيّهم.
قال القُرْطُبِي : ذكر مُحمَّدُ بن حَبيبٍ في « المحبر » أسماء نُقَبَاءِ بني إسرائيل، فقال : من سبط روبيل : شموع بن رَكُوب، ومن سِبْط شَمْعون : شوقوط بن حوري، ومن سِبْط يَهُوذا : كالب بن يوقنا، ومن سِبْط السَّاحر : يُوغول بن يُوسُف، ومن سِبْط أفرائيم ابن يوسف : يوشَع بن النون، ومن سِبْط بِنيَامِين : يلظى بن روقو، ومن سِبْطِ ربالون : كرابيل بن سودا، ومن سِبْط منشا بن يوسف كدى بن سوشا، ومن سِبْط دَان : عمائيل بن كسل، ومن سِبْط كاذ كوال بن موخى، ومن سِبْط نَفْتَال : يُوحنَّا بن قوشا، ومن سِبْط شير ستور بن ميخائيل، فلَّما ذهبُوا إليهم رأوا أجراماً عظيمة وقوَّة وشَوْكةً فَهَابُوهم ورجعوا، وحدَّثُوا قومهم وقد نَهَاهُم موسى - عليه السلام - أن يحدِّثُوهم، فنكثوا الميثاقِ إلا كَالب ابن يوقنا من سِبْطِ يَهُوذا، ويوشَع بن نون من سبط أفرائيم بن يوسف، وهما اللذان قال الله تعالى فيهما :﴿ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ ﴾ [ المائدة : ٢٣ ].
فصل
قال القُرْطُبِي : دلَّت هذه الآيةُ على قُبُول خبَرِ الواحِدِ فيما يَفْتَقِرُ إليه المَرْءُ، ويحتاج إلى اطِّلاعه من حاجاته الدينِيَّة والدُّنْيَويَّة، فترتب عليه الأحْكَام، ويربط به الحلال والحرام، وفيها - أيضاً - دليلٌ على اتِّخاذ الجَاسُوس، وقد بَعَثَ رسُول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بَسْبَسَة عيناً، أخرجه مسلم. وسيأتي حُكْمُ معاني الجَاسُوس في المُمْتَحنة إن شاء الله تعالى.
قوله سبحانه :﴿ وَقَالَ الله إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة ﴾ في الكلام حذف، والتقدير : وقال الله لهم إنِّي مَعَكُم؛ إلاَّ أنَّه [ حذف ] ذلك لاتِّصال [ الكلام ] بِذكْرِهِم وقوله :« إنِّي مَعَكُمْ » قيل : هذا خِطَابٌ للنُّقَبَاء، وقيل :[ خطاب ] لكلِّ بَنِي إسْرائيل، والأوَّل أوْلَى؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى الضمير.
قوله تعالى :﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة ﴾ هذه هي اللاَّم الموطِّئة للقَسَم، والقسم معها مَحْذُوف، وقد تقدَّم أنَّه إذا اجْتَمَع قَسمٌ وشرط أجيب سابقُهمَا، إلا أن يتقدَّم ذُو خبر، فيُجَابُ الشَّرْط مُطْلقاً.
واعلم أنَّ الكلام قد تَمَّ عند قوله :﴿ وَقَالَ الله إِنِّي مَعَكُمْ ﴾ أي : بالعلم والقُدْرة، فأسمع كلاَمَكم، وأرى أفْعَالَكم، وأعْلَمُ ضَمَائِرَكم، وهذه مقدِّمة مُعْتَبرة في التَّرْغيب والتَّرهيب، ثم ابْتَدأ بعدها جُمْلَة شَرْطية، والشَّرْط مركَّبٌ من خمسة أمور، وهي قوله :﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَآتَيْتُمْ الزكاة وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً ﴾.
قوله عز وعلا :« لأكَفِّرَنَّ » هذه « اللاَّم » هي جوابُ القسم لسبقه، وجواب الشَّرْط محذوفٌ لدلالةِ جواب [ القسم ] عليه، وهذا معنى قول الزَّمَخْشَرِيِّ : أن [ معنى ] قوله :« لأكَفِّرَنَّ » سادٌّ مَسَدّ جوابَي القَسَم والشَّرط، لا كَما فَهِمَهُ بَعْضُهم وردّ عليه ذلك.