قرأ حمزةُ والكسائيُّ وأبو عمرو « تَكونُ » برفع النون، والباقون بنصبها، فمنْ رفع ف « أنْ » عنده مخفَّفةٌ من الثقيلة، واسمها ضميرُ الأمرِ والشأنِ محذوفٌ، تقديرُه، أنهُ، و « لاَ » نافية، و « تَكُونُ » تامة، و « فِتْنَةٌ » فاعلها، والجملةُ خبر « أن »، وهي مفسِّرةٌ لضميرِ الأمرِ والشأن، وعلى هذا، ف « حَسِبَ » هنا لليقين، لا للشكِّ؛ ومن مجيئها لليقين قولُ الشاعر :[ الطويل ]
٢٠٢٠- حَسِبْتُ التُّقَى والْجُودَ خَيْرَ تِجَارةٍ | رَبَاحاً إذَا مَا المَرْءُ أصْبَحَ ثَاقِلا |
٢٠٢١- أرْجُو وَآمُلُ أنْ تَدْنُوْ مَوَدَّتُهَا | وَمَا إخَالُ لَدَيْنَا مِنْكَ تَنْوِيلُ |
أحدهما : أنَّ « أنْ » ناصبةٌ، وإنما أُهْمِلَتْ؛ حَمْلاً على « مَا » المصدريَّة؛ ويَدُلُّ على ذلك أنها لو كانت مخفَّفَةً، لفُصِلَ بينها وبين الجملة الفعليةِ بما سنذكره، ويكون هذا مثل قولِ الله تعالى :﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ] ؛ وكقوله :[ البسيط ]
٢٠٢٢- يَا صَاحِبَيَّ فَدَتْ نَفْسِي نُفُوسَكُمَا | وَحَيْثُمَا كُنْتُمَا لُقِّيتُمَا رَشَدَا |
أنْ تَحْمِلا حَاجَةً لِي خَفَّ مَحْمَلُهَا | تَسْتوَجِبَا نِعْمَةً عِنْدِي بِهَا وَيَدَا |
أنْ تَقْرَآنِ عَلَى أسْمَاءَ وَيْحَكُمَا | مِنِّي السَّلامَ وألاَّ تُشْعِرا أحَدَا |
٢٠٢٣- إنِّي زَعِيمٌ يَا نُوَيْ | قَةُ إنْ نَجَوْتِ مِنَ الرَّزَاحِ |
وَنَجَوْتِ مِنْ وَصَبِ الْعَدْوْ | وِ مِنَ الغُدُو إلى الرَّوَاح |
أنْ تَهْبِطِينَ بِلاَدَ قوْ | مٍ يَرْتَعُونَ مِنَ الطِّلاحِ |
والثاني من وجهي الجواب : أنَّ رجاءَهُ وأملَهُ قويَا حتَّى قربا من اليقينِ، فأجراهما مُجْراهُ في ذلك.
وأما قول الشاعر :[ الخفيف ]
٢٠٢٤- عَلِمُوا أنْ يُؤمَّلُونَ فَجَادُوا | قَبْلَ أنْ يُسْألُوا بأعْظَمِ سُؤلِ |
وجاءَ هنا على الواجب - عند بعضهم - أو الأحسنِ - عند آخرين - وهو الفصلُ بين « أن » الخفيفةِ وبين خبرها، إذا كان جملة فعليةً متصرفةً غير دعاءٍ، والفاصلُ : إمَّا نفي كهذه الآية، وإمَّا حرفُ تنفيس؛ كقوله تعالى :