وقيل : عَمُوا حين عَبَدُوا الْعِجْلَ، ثمَّ تَابُوا عَنْهُ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِم، ثمَّ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُم بالتعَنُّتِ، وهو طَلَبُهُم رُؤيَةَ اللَّهِ جَهْرَةً، ونُزُولَ الملائِكة.
وقال القَفَّال : ذَكَرَ اللَّهُ تعالى في سُورةِ بَنِي إسْرائيل ما يجُوزُ أنْ يكُونَ تَفْسيراً لِهَذِه الآية، فقالَ تعالى :﴿ وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ﴾ [ الإسراء : ٤، ٥، ٦ ]، فهذا في معنى « فَعَمُوا وصمَّوا » ثم قال تعالى ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ [ الإسراء : ٧ ] فهذا في معنى قوله « فَعَمُوا وصَمُّوا ».
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ﴾ في هذا التركيب خمسة أوجه :
أحدها : أنَّ الواوَ علامةُ جمع الفاعلِ، كما يَلْحق الفعل تاءُ التأنيث؛ ليدلَّ على تأنيثِ الفاعل، ك « قَامَتْ هِنْدٌ »، وهذه اللغة جاريةٌ في المثنى وجمع الإناث أيضاً، فيقال :« قَامَا أخَواكَ، وقُمْنَ أخَوَاتُكَ » ؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٠٢٧-................... | وَقَدْ أسْلَمَاهُ مُبْعَدٌ وحَمِيمُ |
٢٠٢٨- ولَكِنْ دِيَافِيٌّ أبُوهُ وأمُّهُ | بِحَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّليطَ أقَارِبُهْ |
الوجه الثاني : أنَّ الواوَ ضميرٌ عائدٌ على المذكورينَ العائد عليهم واو « حَسِبُوا »، و « كَثِيرٌ » بدلٌ من هذا الضمير، كقولك :« إخْوَتُكَ قَامُوا كَبِيرُهُمْ وصَغِيرُهُمْ » ونحوه. والإبْدَال كَثيرٌ في القُرْآنِ قال تعالى :﴿ الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [ السجدة : ٧ ].
وقال تعالى :﴿ وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ].
الوجه الثالثك أن الواو ضمير أيضاً، و « كَثِيرٌ » بدلٌ منه، والفرقُ بين هذا الوجه والذي قبله : أن الضمير في الوجْهِ الأوَّلِ مفسَّرٌ بما قبلَه وهم بنو إسْرائِيلَ، وأمَّا في هذا الوجه، فهو مفسَّرٌ بما بعده، وهذا أحدُ المواضع التي يُفَسَّر فيها الضميرُ بما بعده، وهو أن يُبْدَلَ منه ما يفسرهُ، وهي مسألةُ خلافٍ، وقد تقدَّم تحريرها.