والجملة من قوله :« يُحَرِّفُونَ » فيها أرْبَعَةُ أوْجُه :
أحدها : أنَّها مستأنَفَةٌ بيان لِقَسْوة قُلُوبهم؛ لأنَّه لا قَسْوَةَ أعظم من الافتراء على اللَّه تعالى.
والثاني : أنَّها حَالٌ من مَفْعُول « لَعَنَّاهُمْ » أي : لَعَنَّاهم حال اتِّصافهم بالتَّحْريف.
والثالث : قال أبو البقاء : أنَّها حال من الضَّمِير المسْتَتِر في « قَاسِيَة ».
وقال : ولا يجُوزُ أن يكون حَالاً من « القُلُوب » ؛ لأنَّ الضَّمير في « يُحَرِّفُون » لا يرجع إلى « القُلُوب »، وفي هذا نَظَرٌ من حيث جواز أن يكون حَالاً من الضَّمِير في « قَاسِيَة »، يَلزَمُهُ أن يُجوِّزَ أن يكون حَالاً من « القُلُوبِ »، لأنَّ الضَّمير المستتر في « قَاسِيَة » يعود على « القُلُوبِ »، فكما يمتَنِعُ أن يكون حالاً من ظاهره [ يمتنع أن يكون حالاً من ضميره ]، وكأنَّ المانع الذي توهمه كون الضَّمير وهو الواو في « يُحَرِّفُون » إنَّما يعُود على اليَهُودِ بِجُمْلَتِهِم لا على قُلُوبهم خاصَّةً، فإن القُلُوب لا تحرَّف، إنما يُحرَّف أصْحَابُ القُلوب، وهذا لازِمٌ له في تجويزه الحالِيَّة من الضَّمِير في « قَاسِيَة ».
ولقائِل أن يَقُول : المراد ب « القُلُوب » نفس الأشْخَاص، وإنما عبَّر عنهم بالقُلُوب؛ لأن هذه الأعضاء هي محلُّ التَّحْريف، أي : إنَّه صَادِرٌ عَنْها بتَفَكُّرِها فيه، فيجُوزُعلى هذا أن يكُون حَالاً من « القُلُوب ».
والرابع : أن يكون حالاً من « هم » في « قُلُوبِهم ».
قال أبو البَقَاء : وهو ضعيف يعني : لأنَّ الحال من المُضَاف إليه لا تَجُوزُ، وغيره يجوِّزُ ذلك في مثل هذا الموضع؛ لأن المُضافَ بَعْضُ المُضَافِ إليه.
وقرأ الجمهور بفتح الكاف وكَسْرِ اللاَّم، وهو جمع « كَلِمَة ».
وقرأ أبو رجاء « الكِلْم » بكَسْرِ الكَافِ وسُكُون اللاَّم، وهو تَخْفيفُ قِرَاءة الجَمَاعَة، وأصْلُها أنَّه كَسَرَ الكاف إتْبَاعاً، ثم سكن العَيْنَ تَخْفِيفاً.
وقرأ السُّلمي والنَّخْعي :« الكَلاَم » بالألف، و « عَنْ مَوَاضِعهِ » وتقدَّم مثله في « النِّسَاء » [ النساء : ٤٦ ].
قوله تعالى :﴿ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ ﴾.
قال ابن عباسٍ : تركوا نَصِيباً ممَّا أمِرُوا بِهِ من الإيمَان بِمُحَمَّد - ﷺ -.
قوله - سبحانه - :﴿ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ﴾.
في « خَائِنَةٍ » [ ثَلاثةُ أوْجُه ] :
أحدها : أنَّها اسم فاعل، والهاء لِلْمُبَالغة ك « راوية وعلاَّمة [ ونسَّابة ] »، أي : على شخص خائن.
قال الشَّاعر :[ الكامل ]
١٩٤٨- حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ | لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مُغِلَّ الإصْبَعِ |
قال ابن عبَّاسٍ :« على خَائِنَةٍ »، أي : على مَعْصِية، وكانت خِيَانَتُهُم نقض العَهْدِ، ومظاهرتُهمْ المُشْرِكين على حَرْبِ رسُول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وهَمّهم بِقَتْلِهِ وسمه ونحوها من الخِيَانَاتِ الَّتي ظَهَرَتْ منهم.