٢٠٤٥- شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ ترفَّعَتْ | مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ |
قوله :﴿ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ﴾ « مِنْ » الأولَى لابتداءِ الغاية، وهي متعلقةٌ ب « تَفِيضُ »، والثانيةُ يُحْتملُ أن تكونَ لبيانِ الجنس، أي : بَيَّنَتْ جنس الموصولِ قبلَها، ويُحتملُ أن تكون للتبعيضِ، وقد أوضح الزمخشريُّ هذا غايةَ الإيضاح؛ قال - رحمه الله - :« فإنْ قلتَ : أيُّ فَرْقٍ بين » مِنْ « و » مِنْ « في قوله :﴿ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الحق ﴾ ؟ قلتُ : الأولَى لابتداء الغاية؛ على أنَّ الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحقِّ، وكان من أجله وبسببه، والثانيةُ : لبيان الموصول الذي هو » ما عَرَفُوا «، وتحتمل معنى التبعيض؛ على أنهم عرفوا بعض الحقِّ، فأبكاهم وبلغ منهم، فكيف إذا عرفوه كلَّه، وقرَءُوا القرآن، وأحاطُوا بالسنة ». انتهى، ولم يتعرَّض لما يتعلَّق به الجارَّان، وهو يمكن أنْ يُؤخَذَ من قوةِ كلامه، ولْنَزِدْ ذلك إيضاحاً، و « مِن » الأولى متعلِّقةٌ بمحذوفٍ؛ على أنها حال من « الدَّمْع »، أي : في حالِ كونه ناشئاَ ومبتدئاً من معرفةِ الحقِّ، وهو معنى قول الزمخشريِّ؛ على أنَّ الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحقِّ، ولا يجوزُ أن يتعلَّق ب « تَفِيضُ » ؛ لئلا يلزم تعلُّقُ حرفَيْن مُتَّحِدَيْن لفظاً ومعنًى بعامل واحد؛ فإنَّ « مِنْ » في « مِنَ الدَّمْعِ » لابتداءِ الغاية؛ كما تقدَّم، اللهم إلا أن يُعتقد كونُ « مِنْ » في « مِنَ الدَّمْعِ » للبيانِ، أو بمعنى الباء، فقد يجوز ذلك، وليس معناه في الوضُوحِ كالأول، وأمَّا « مِنَ الحَقِّ » فعلى جعله أنها للبيان تتعلَّقُ بمحذوف، أي : أعْنِي من كذا، وعلى جعله أنَّها للتبعيض تتعلَّق ب « عَرَفُوا »، وهو معنى قوله :« عَرَفُوا بَعْضَ الحقِّ ».
وقال أبو البقاء في « مِنَ الحَقِّ » : إنه حالٌ من العائد المحذوف على الموصولِ، أي : مِمَّا عرفوه كائناً من الحق، ويجوزُ أن تكون « مِنْ » في قوله تعالى :« مِمَّا عَرَفُوا » تعليليةً، أي : إنَّ فَيْضَ دمعهم بسبب عرفانِهِمُ الحقَّ؛ ويؤيِّدُه قول الزمخشري :« وكان من أجله وبسببه »، فقد تحصل في « من » الأولى أربعةُ أوجه، وفي الثالثةِ ضعفٌ، أو منعٌ؛ كما تقدَّم، وفي « مِن » الثانية أربعةٌ أيضاً : وجهان بالنسبة إلى معناها : هل هي ابتدائية أو تعليليةٌ؟ ووجهان بالنسبة إلى ما تتعلًَّق به : هل هو « تَفِيضُ »، أو محذوفٌ؛ على أنها حالٌ من الدمع، وفي الثالثة : خمسةٌ : اثنان بالنسبة إلى معناها : هل هي بيانيةٌ أو تبعيضيةٌ؟ وثلاثةٌ بالنسبة إلى متعلَّقها : هل هو محذوفٌ، وهو « أعْنِي »، أو نفسُ « عَرَفُوا »، أو هو حالٌ، فتتعلَّق بِمَحْذُوفٍ أيضاً؛ كما ذكره أبو البقاء.