﴿ فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ ﴾ [ المدثر : ٤٩ ]، ف « نَطْمَعُ » واقعٌ موقعَ مفردٍ هو حال، كما لو قلت : مَا لَكَ طَامِعاً، وما لَنَا طَامِعِين، وردَّ عليه أبو حيان هذا الوجه بشيئينِ : أحدهما : أن العامل لا يقتضي أكثر من حالٍ واحدة، إذا كان صاحبُه مفرداً دون بدل أو عطف، إلا أفعل التفضيل على الصَّحيح.
والثاني : أنه يلزم دخولُ الواو على مضارعٍ مُثْبَتٍ. وذلك لا يجُوز إلا بتأويل تقدير مبتدأ، أي : ونحْنُ نَطْمَعُ.
الثالث : أنها في محل نصبٍ على الحال من فاعل « نُؤمِنُ »، فتكون الحالان متداخلَتَيْنِ، قال الزمخشريُّ :« ويجوز أن يكون » ونَطْمعُ « حالاً من » لا نُؤمِنُ « على معنى : أنهم أنْكَرُوا على أنفسهم؛ أنهم لا يوحِّدون الله، ويطمعُون مع ذلك أن يَصْحَبُوا الصالحين »، وهذا فيه ما تقدَّم من دخول واو الحال على المضارع المثْبَت، وأبو البقاء لمَّا أجاز هذا الوجْهَ، قدَّر مبتدأ قبل « نَطْمَعُ »، وجعل الجملةَ حالاً من فاعل « نُؤمِنُ » ؛ ليخلصَ من هذا الإشكال؛ فقال : ويجوزُ أن يكون التقديرُ :« ونَحْنُ نَطْمَعُ »، فتكون الجملةُ حالاً من فاعل « لا نُؤمِنُ ».
الرابع : أنها معطوفةٌ على « لا نُؤمِنُ »، فتكون في محلِّ نصبٍ على الحال من ذلك الضمير المستترِ في « لَنَا »، والعاملُ فيها هو العاملُ في الحال قبلها.
فصل
فإن قيل : هذا هو الوجه الثاني المتقدِّم، وذكرت عن أبي حيان هناك؛ أنه منع مجيء الحالين لِذِي حالٍ واحدةٍ، وبأنه يلزمُ دخولُ الواو على المضارع، فما الفرقُ بين هذا وذاك؟ فالجوابُ : أنَّ الممنوع تعدُّدُ الحالِ دُونَ عاطف، وهذه الواوُ عاطفةٌ، وأنَّ المضارع إنما يمتنعُ دخولُ واوِ الحال عليه، وهذه عاطفةٌ لا واوُ حالٍ؛ فحَصَلَ الفرقُ بينهما من جهة الواو؛ حيثُ كانت في الوجه الثاني واوَ الحال، وفي هذا الوجه واو عطف، ولَمَّا حكى الزمخشريُّ هذا الوجه، أبدى له معنيين حسنين؛ فقال - رحمه الله - :« وأن يكون معطوفاً على » لا نُؤمِنُ « على معنى : وما لنا نَجْمَعُ بَيْنَ التثْليثِ وبين الطَّمَع في صُحْبَةِ الصَّالحينَ، أو على معنى : ومَا لَنَا لا نَجْمَعُ بينهما بالدُّخُولِ في الإسلام؛ لأنَّ الكَافِرَ ما ينبغي له أن يطمعَ في صُحْبَة الصَّالحِينَ ».
الخامس : أنها جملة استئنافية، قال أبو حيان : الأحسنُ والأسهلُ : أن يكون استئناف إخبارٍ منهم؛ بأنهم طامعون في إنعام الله عليهم؛ بإدخالهم مع الصالحين، فالواوُ عطافةٌ هذه الجملة على جملة ﴿ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ ﴾، قال شهاب الدين : وهذا المعنى هو ومعنى كونها معطوفةً على المَحْكيِّ بالقول قبلها - شيءٌ واحدٌ - فإن [ فيه ] الإخبار عنهُمْ بقولهم كَيْتَ وكَيْتَ.