السادس : أن يكون « وَنَطْمَعُ » معطوفاً على « نُؤمِنُ »، أي : وما لنا لا نَطْمَعُ، قال أبو حيان هنا :« ويظهر لي وجهٌ غيرُ ما ذكرُوه، وهو أن يكون معطوفاً على » نُؤمِنُ «، التقديرُ : وما لَنَا لا نُؤمِنُ ولا نَطْمَعُ، فيكونُ في ذلك إنكارٌ لانتفاءِ إيمانهمْ وانتفاءِ طمعهِمْ مع قدرتهم على تحصيل الشيئين : الإيمان والطَّمع في الدخول مع الصالحين »، قال شهاب الدين : قوله :« غَيْرُ ما ذَكَرُوهُ » ليس كما ذَكَرَهُ، بل ذكر أبو البقاء فقال :« ونَطْمَعُ » يجُوزُ أن يكون معطوفاً على « نُؤمِنُ »، أي :« وما لَنَا لا نَطْمَعُ »، فقد صرَّحَ بعطفه على الفعل المنفيِّ ب « لاَ »، غايةُ ما في الباب أن الشيخَ زاده بَسْطاً.
والطَّمَعُ قال الراغب :« هو نزوعُ النَّفْسِ إلى الشَّيْءِ شَهْوَةً له »، ثم قال :« ولَمَّا كَانَ أكْثَرُ الطَّمَعِ من جهةِ الهوى، قيل : الطَمَعُ طَبعٌ والطمعُ يدنِّسُ الإهَابَ »، وقال أبو حيان :« الطمعُ قَرِيبٌ من الرَّجَاءِ يقال منه طَمِعَ يَطْمَعُ طَمعاً » ؛ قال تعالى :﴿ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ [ السجدة : ١٦ ] وطماعةً وطماعيةً كالكراهِيَة؛ قال :[ الطويل ]
٢٠٤٦-....................... | طَمَاعِيَةً أنْ يَغْفِرَ الذَّنْبَ غَافِرُهْ |
قوله :« أنْ يُدْخِلَنَا »، أي :« في أنْ » فمحلُّها نصبٌ أو جرٌّ؛ على ما تقدَّم غير مرة. و « مَعَ » على بابها من المصاحبة، وقيل : هي بمعنى « في » ولا حاجة إليه؛ لاستقلال المعنى مع بقاءِ الكلمة على موضوعها.
فصل
قال المُفَسِّرُون - [ رحمهم الله ] - إنَّ اليَهُودَ عَيَّرُوهم، وقالُوا لَهُمْ : لِمَ آمَنْتُم؟ فأجابُوهُم بِهَذا.
والمراد : يدْخِلُنَا ربُّنَا مع القَوم الصَّالحِيِنَ جَنَّتَهُ، ودارَ رِضوانه قال - تعالى - :﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ ﴾ [ الحج : ٥٩ ]، إلا أنه حَسُنَ الحَذْف لِكَوْنه مَعْلُوماً.
قوله تعالى :﴿ فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ ﴾ [ المائدة : ٨٥ ].
وقرأ الحسن :« فآتاهُمُ اللَّهُ » : من آتاه كذا، أي : أعطاهُ، والقراءةُ الشهيرةُ أوْلَى؛ لأنَّ الإثابةَ فيها مَنْبَهَةٌ على أنَّ ذلك لأجْلِ عملٍ؛ بخلاف الإيتاء؛ فإنه يكونُ على عملٍ وعلى غيره، وقوله تعالى :« جَنَّاتٍ » مفعولٌ ثانٍ ل « أثَابَهُمْ »، أو ل « آتاهُمْ » على حسب القراءتَيْنِ. و ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ في محلِّ نصبٍ صفةً ل « جَنَّاتٍ ». و « خَالِدِينَ » حالٌ مقدرةٌ.
فإن قيل : ظَاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ على أنَّهُم إنَّما اسْتَحَقُّوا ذلك الثَّوابَ بمُجَرَّدِ القوْلِ؛ لأنَّهُ - تعالى - قال :﴿ فَأَثَابَهُمُ الله بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ ﴾، وذَلِكَ غير مُمْكِن؛ لأنَّ مُجَرَّدَ القَوْلِ لا يُفيدُ الثَّوَابَ.