الثاني : أنه يعود على « مَا » إنْ جَعَلْنَاهَا موصولةً اسميَّةً، وهو على حذف مضافٍ، أي : فكفارة نُكْثِهِ، كذا قدَّره الزمخشريُّ.
والثالث : أنه يعودُ على العَقْدِ؛ لتقدُّمِ الفعْلِ الدالِّ عليه.
الرابع : أنه يعود على اليمين، وإن كانت مؤنثة؛ لأنها بمعنى الحَلْفِ، قالهما أبو البقاء، وليسا بظاهَرْين.
و « إطْعَامُ » مصدرٌ مضافٌ لمفعوله، وهو مقدَّرٌ بحرفٍ وفعلٍ مبنيٍّ للفاعل، أي : فكفَّارته أن يُطْعِمَ الحَانِثُ عشرة، وفاعلُ المصدرِ يُحْذَفُ كثيراً، ولا ضرورة تدعو إلى تقديره بفعلٍ مبنيٍّ للمفعولِ، أي : أن يُطْعَمَ عشرةٌ؛ لأنَّ في ذلك خلافاً تقدَّم التنبيه عليه؛ فعلى الأول : يكونُ محلُّ « عشرة » نصباً؛ وعلى الثاني : يكون محلُّها رفعاً على ما لم يُسَمَّ فاعلُهُ، ولذلك فائدةٌ تَظْهر في التابع، فإذا قلت :« يُعْجِبُنِي أكْلُ الخُبْزِ » فإن قدَّرته مبنياً للفاعل، فتتبع « الخُبْز » بالجرِّ على اللفظ، والنَّصْبِ على المحلِّ، وإنْ قَدَّرْتَه مبنيًّا للمفعول، أتْبَعْتَهُ جرًّا ورفعاً، فتقول :« يُعْجِبُني أكْلُ الخُبْزِ والسَّمْنِ والسَّمْنَ والسَّمْنُ »، وفي الحديث :« نَهَى عن قَتْلِ الأبْتَرِ وذُو الطُّفَيَتَيْنِ » برفع « ذُو » على معنى : أنْ يُقْتَلَ الأبْتَرُ، قال أبو البقاء :« والجَيِّدُ أن يُقَدَّرَ - أي المصدرُ - بفعلٍ قد سُمِّي فاعلُه؛ لأنَّ ما قبله وما بعده خطاب »، يعني : فهذه قرينةٌ تُقَوِّي ذلك؛ لأنَّ المعنى : فكفَّارَتُهُ أنْ تُطْعِمُوا أنْتُمْ أيها الحَالِفُونَ، وقد تقدم أنَّ تقديره بالمبنيِّ للفاعلِ هو الراجحُ، ولو لم تُوجَدُ قرينةٌ؛ لأنه الأصلُ.
قوله تعالى :« مِنْ أوسطِ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلِّ رفعِ خبراً لمبتدأ محذوفٍ يبيِّنه ما قبله، تقديرُه : طعامُهُمْ مِنْ أوسطِ، ويكون الكلامُ قد تَمَّ عِنْدَ قوله :« مَسَاكِينَ »، وسيأتي له مزيد بيان قريباً إن شاء الله تعالى.
والثاني : أنه في موضعِ نصْبٍ؛ لأنه صفةٌ للمفعول الثاني، والتقديرُ : قوتاً أو طعاماً كائناً من أوسطِ، وأما المفعولُ الأوَّل فهو « عَشَرَة » المضافُ إليه المصدرُ، و « مَا » موصولةٌ اسميَّةٌ، والعائدُ محذوفٌ، أي : من أوْسَطِ الذي تطعمُونَهُ، وقَدَّره أبو البقاء مجروراً ب « مِنْ »، فقال :« الَّذِي تُطْعَمُونَ مِنْهُ »، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ من شرط العائد المجرورِ في الحذف : أنْ يتَّحِدَ الحرفانِ والمتعلَّقانِ، والحرفان هنا، وإن اتفقا وهما « مِنْ » و « مِنْ » إلا أنَّ العامل اختلف؛ فإنَّ « مِن » الثانيةَ متعلِّقةٌ ب « تُطْعِمُون »، والأولى متعلِّقةٌ بمحذوفٍ، وهو الكون المطلقُ؛ لأنها وقعت صفة للمفعول المحذوف، وقد يقالُ : إنَّ الفعلَ لَمَّا كان مُنْصَباً على قوله :« مِنْ أوْسَطِ »، فكأنه عاملٌ فيه، وإنما قدَّرْنَا مفعولاً لضرورة الصِّناعة، فإن قيل : الموصولُ لم ينجرَّ ب « مِنْ » إنما انجرَّ بالإضافةِ، فالجوابُ : أنَّ المضافَ إلى الموصول كالموصولِ في ذلك؛ نحو :« مُرَّ بِغُلامٍ الَّذي مَرَرْتُ ».