فصل
اخْتَلَفُوا في تقديم الكَفَّارة على الحنْثِ؛ فذَهَبَ قَوْمٌ إلى جَوَازِهِ لقَوْل النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - :« من حَلَفَ بِيَمِينٍ، فَرأى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَل الذي هُو خَيْر » وهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَر، وابْنِ عبَّاس وعائِشَة - رضي الله عنهم - وبه قال الحَسَنُ وابنُ سيرين، وإليه ذهبَ مالِكٌ، والأوْزَاعِيُّ، والشَّافعيُّ - رضي الله عنهم -، إلاَّ أنَّ الشَّافعيَّ يقُولُ : إن كَفَّرَ بالصَّوْمِ قبل الحنْثِ لا يَجُوزُ، لأنه بدَنِيٌّ، إنَّمَا يجوزُ الإطْعَامُ والكسْوَة والعِتْقُ؛ لأنَّه مَالِيٌّ، فأَشْبَه تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، كما يجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ على الحَوْل، ولا يجُوزُ تَعْجِيلُ صَوْمِ رمضانَ.
قالوا : وقوله :« إذَا حَلَفْتُم » فيه دَقِيقَةٌ، وهو التَّنْبِيهُ على أنَّ تقْدِيم الكَفَّارة قبْل اليَمِين لا يجُوز، وأمَّا بعد اليمين وقبل الحنْثِ فيجُوز، لانعِقَادِ سببها وهو اليمينُ، فصارت كمِلْكِ النِّصاب.
وقال أبو حنيفةَ - رضي الله عنه - : لا يجُوزُ تقديم الكَفَّارَة على الحنْثِ.
قوله تعالى :﴿ واحفظوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ قيل : المرادُ به تَرْكُ الحَلْفِ، أي : لا تحلِفُوا، وقِيل : المُرَادُ تَقْلِيلُ الأيْمان، أي : لا تُكثِروا مِنْهَا.
قال الشَّاعر :[ الطويل ]
٢٠٥٠- قَليلُ الأَلايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ | فإنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الألِيَّةُ بَرَّتِ |
قوله تعالى :« كَذِلِكَ » هذه الكاف نعتٌ لمصدر محذوف عند جماهير المُعْربين، أي : يبيِّن الله آياته تبييناً مثل ذلك التبيين، وعند سيبويه أنه حالٌ من ضميرِ ذلك المصْدَرِ على ما عُرِفَ.