قوله تعالى :« فَجَزَاءٌ » الفاءُ جوابُ الشرطِ أو زائدةٌ؛ لشبه المبتدأ بالشرط؛ فعلى الأوَّل : الجملةُ بعدها في محلِّ جزمٍ؛ وعلى الثاني : في محلِّ رفعٍ، وما بعد « مَنْ » على الأولِ في محلِّ جزمٍ؛ لكونه شرطاً؛ وعلى الثاني : لا محلَّ له لكونه صلةً، وقرأ الكوفيُّون :« فَجَزاءٌ مثلُ » بتنوين « جَزَاء » [ ورفعه ] ورفع « مِثْلُ »، وباقي السبعة برفعه مضافاً إلى « مِثْل »، ومحمَّد بن مُقاتِل بتنوين « جَزَاءً »، ونصبه، ونصب « مِثْلَ »، والسُّلَمِي برفع « جَزَاءٌ » منوناً، ونصب « مِثل »، وقرأ عبد الله « فَجَزَاؤهُ » برفع « جَزَاء » مضافاً لضمير « مِثْل » رفعاً.
فأمَّا قراءةُ الكوفيِّين فواضحةٌ لأنَّ « مِثْل » صفةٌ ل « جَزَاء »، أي : فعليْه « جَزَاءٌ » موصوفٌ بكونه « مِثْلَ ما قَتَلَهُ » أي مماثله.
قالوا : ولا يَنْبَغِي إضافَةُ جزاءٍ إلى المثْلِ، ألا ترى أنَّهُ ليْسَ عليْه جَزَاءُ مثل ما قتلَ في الحقيقَةِ، إنَّمَا عليه جَزَاءُ المقْتُولِ لا جَزَاء مثل المقَتُول الذي لم يَقْتُلْه.
وجَوَّز مكي وأبو البقاء وغيرُهما أنْ يرتفعَ « مِثْل » على البدلِ، وذكر الزجَّاج وجْهاً غريباً، وهو أن يرتفع « مِثْلُ » على أنه خبرٌ ل « جَزَاءٌ »، ويكونُ « جزَاءٌ » مبتدأ، قال :« والتقديرُ : فجزاءُ ذلك الفعلِ مِثْلُ ما قتل » ؛ قال شهاب الدين : ويؤيِّد هذا الوجه قراءةُ عبد الله :« فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ »، إلاَّ أن الأحسنَ أن يقدِّر ذلك المحذوف ضميراً يعودُ على المقتول، لا أنْ يُقَدِّره :« فَجَزَاءُ ذلك الفِعْلِ » و « مِثْلُ » بمعنى مماثل قال مكيٌّ : قاله الزمخشريُّ، وهو معنى اللَّفْظِ، فإنَّها في قُوَّةِ اسم فاعل، إلاَّ أنَّ مَكِّيًّا تَوَهَّم أن « مِثْلاً » قد يكون بمعنى غير مماثل؛ فإنه قال :« ومثل » في هذه القراءة - يعني قراءة الكوفيين - بمعنى مُمَاثِل، والتقديرُ : فَجَزَاءٌ مُمَاثِلٌ لما قَتَل، يعني في القيمةِ، أو في الخِلْقَةِ؛ على اختلافِ العلماء، ولو قَدَّرْتَ مِثْلاً بعيْنِهِ لا جَزَاءٌ مِثْلُه؛ لأنه إذا ودى جزاءً مثل المقْتُولِ، صار إنما ودى جزاء ما لم يُقْتَلْ؛ لأنَّ مثل المقتولِ لم يَقْتُلْهُ، فصَحَّ أن المعنى : فعليه جزاءٌ مماثِلٌ أبداً، فكيف يقول « ولَوْ قَدَّرْتَ مِثْلاً على لفْظه؟ » وأيضاً فقوله :« لصار المعنى إلى آخره » هذا الإشكالُ الذي ذكره لا يُتَصَوَّرُ مجيئُه في هذه القراءة أصْلاً، وإنما ذَكَرَهُ الناسُ في قراءةِ الإضَافَة؛ كما سيأتي، وكأنه نَقَلَ هذا الإشكالَ من قراءةِ الإضافةِ إلى قراءةِ التنوين.
وأمَّا قراءة باقي السَّبْعة، فاستبعَدَهَا جماعةٌ، قال الواحِدِيُّ :« ولا ينبغي إضافةُ الجزاءِ إلى المثلِ؛ لأنَّ عليه جزاءَ المقتولِ لا جزاءَ مِثلِه، فإنه لا جزاءَ عليه لَمَّا لم يقتلْه ».