الثالث : أن يكون حالاً من « كِتَاب »، لأن النَّكرة لما تخصَّصَت بالوَصْف قَرُبت من المَعْرِفة.
وقياس قول أبي البقاء أنَّه يجوز أن يكون [ حالاً من « نُورٌ »، كما جاز أن يكُون ] صِفَة لَهُ.
الرابع : أنَّهُ حال من « رسُولُنا » بدلاً من الجُمْلَة الواقِعَة حالاً له، وهي قوله :« يُبَيِّنُ ».
الخامس : أنَّهُ حالٌ من الضَّمير في « يُبَيِّن » ذكرهما أبُو البقاء، ولا يَخْفَى ما فيهما من الفَصْلِ؛ ولأن فيه ما يُشْبِهُ تَهْيِئَة العَامِل للعَمَلِ، وقَطْعه عنه، والضَّمِير في « بِهِ » يعُودُ على من جعل « يَهْدي » حالاً منه، أو صِفَة لَه.
قال أبو البقاء : فَلِذَلِكَ أفْرِدَ، أي : إن الضمير في « بِهِ » أُتِي به مُفْرداً، وقد تقدَّمه شيئان وهُمَا :« نُورٌ » و « كِتَابٌ »، ولكن لما قصد بالجُمْلَة من قوله :« يَهْدي » الحال، أو الوصف من أحدهما، أُفْرِد الضَّمير.
وقيل : الضمير في « بِهِ » يعود على الرَّسُول [ وقيل : يَعُودَ على « السَّلام » ]، وعلى هذين القَوْلَيْن لا تكون الجُمْلَةُ من قوله :« يَهْدِي » حالاً ولا صِفَةً لعدم الرَّابط.
و « مَنْ » موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ، ورَاعَى لَفْظَها في قولِهِ :« اتَّبَع » فلذلك [ أفرد الضَّمِير، ومَعْناها، فَلِذَلك ] جمعه في قوله :« وَيُخْرِجُهُم ».
وقرأ عُبَيْد بن عُمَيْر، ومُسْلِم بن جُنْدُب، والزُّهَري « بهُ » بضم الهاء حيث وقع، وقد تقدَّم أنَّه الأصْل.
وقرأ الحسن « سُبْلَ » بسكون الباء، وهو تخْفيفٌ قياسي به كقولهم في عُنُق : عُنْق، وهذا أوْلَى لِكَوْنه جمعاً، وهو مَفْعُول ثانٍ ل « يَهْدِي » على إسقاط حَرْفِ الجرِّ، أي إلى « سُبْل »، وتقدَّمَ تحقيق نظيره، ويجُوزُ أن يَنْتَصِبَ على أنَّهُ بدَل من « رِضْوَانَهُ » إما بَدَل كُل من كلّ لأن سبل السلام [ هي رضوان الباري تعالى، وإما بدل اشتمال؛ لأن الرضوان مشتمل على سبل السلام؛ أو لأنها مشتملة على رضوان الله تعالى، وإما بدل ] بعض من كل؛ لأن سبل السلام بعض الرضوان.
فصل
معنى ﴿ يَهْدِي بِهِ الله ﴾ أي : بالكِتَاب المُبِين ﴿ مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ ﴾ أي : كان مطلوبُهُ من طلب الدِّين اتِّباع الدِّين [ الذي ] يَرْتَضِيه اللَّه، « سُبُلَ السلام » [ أي : طُرُق السَّلامَة ] وقيل : السلام هو الله عزَّ وجلَّ، و « سُبُلَهُ » : دينَهُ الذي شرع لِعبَادِه، ويجُوزُ أن يكون على حَذْفِ مُضَافٍ، أي : سُبُل دار السلام، ونظيره قوله :﴿ والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [ محمد : ٤ - ٥ ] ومعلومٌ أنَّه ليس المُرادُ هِدَايَة الاسْتِدْلاَل، بل الهدايَةُ إلى طَرِيق الجَنَّة.
ثم قال :﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ ﴾ أي : من ظُلمات الكُفْر إلى نورِ الإيمان « بإذْنِهِ » بتوفيقه و « بإذنِهِ » متعلِّق ب « يُخْرِجُهُم » أي : بتَيْسِيره أو بأمْره، و « البَاءُ » للحال أي : مُصَاحِبِين لِتَيْسِيرِه أو للسَّبَبِيَّة، أي : بسبب أمْرِه المُنَزَّل على رسوله.
وقيل :« الباء » تتعلق بالاتِّبَاع، أي : يتَّبع رِضْوَانه بإذْنِه.
قال ابنُ الخَطِيب : ولا يجُوزُ أن تتعلَّق بالهِدَاية، [ ولا بالإخْرَاج؛ لأنَّه لا مَعْنَى له، فَدَلَّ ذلك على أنَّه لا يتبع رضوان الله إلا من أرَادَ اللَّه منه ذَلِكَ ].
ثم قال :﴿ يَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ وهو الدِّين الحقُّ.