فصل


واخْتَلَفُوا في هَاتَيْن الآيتين، فقالَ قَوْمٌ : هما الشَّاهِدِانِ يَشْهَدَان على وِصيَّةٍ.
وقال غَيْرُهُم : هُمَا الوصيَّان؛ لأنَّ الآيَة نَزَلَتْ فيهما؛ ولأنَّه قال :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة فَيُقْسِمَانِ ﴾، ولا يَلْزَمُ الشَّاهِدُ يَمِين، وجَعَلَ الوَصِيَّ اثْنَيْن تَأكيداً، فعلى هذا تكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى : الحُضُور، كقولك :« شَهِدْتُ وصيَّة فُلانٍ »، بِمَعْنَى : حَضَرتُ وشَهِدْتُ العَيْن، وقوله تعالى :﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين ﴾ [ النور : ٢ ] يُريدُ الحُضُور.

فصل


وقوله :« ذَوا » صفةٌ لاثنين، أي : صاحِبَا عدْلٍ، وكذلك قوله « مِنْكُمْ » صفة أيضاً لاثنين، وقوله :« أوْ آخَرَانِ » نسقٌ على اثنين، و « مِنْ غَيْرِكُمْ » صفةٌ لآخَرَيْنِ، والمراد ب « مِنْكُمْ » من قرابتكم وعترَتِكُم، ومن غيركم من المسلمين الأجانب، وقيل :« مِنْكُمْ » من أهل دينكم، و « مِنْ غَيْرِكُمْ » من أهل الذمة، ورجَّح النحَّاسُ الأولَ، فقال :« هذا يَنْبَنِي على معنًى غامضٍ في العربية، وذلك أنَّ معنى » آخَرَ « في العربية من جنْسِ الأوَّلِ تقولُ :» مَرَرْتُ بِكَرِيمٍ وكَرِيمٍ آخَرَ « ولا يجوز » وخَسِيسٍ آخَرَ « ولا :» مَرَرْتُ بِحِمَارٍ ورَجُلٍ آخَرَ «، فكذا هاهنا يجب أن يكون » أو آخَرَانِ « : أو عَدْلاَن آخَرَان، والكفارُ لا يكونونَ عُدُولاً » وردَّ أبو حيان ذلك؛ فقال :« أمَّا ما ذكرَهُ من المُثُلِ، فصحيحٌ؛ لأنه مثَّل بتأخير » آخَرَ «، وجعله صفةً لغير جنسِ الأوَّل، وأمَّا الآيةُ، فمن قبيل ما يُقدَّم فيه » آخَر « على الوصف، واندرج » آخَر « في الجنْس الذي قبله، ولا يُعْتَبَرُ وصْفُ جنس الأول، تقول :» مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ وآخَرَ كَافِرٍ، واشْتَرَيْتُ فَرَساً سَابِقاً، وآخَرَ بَطِيئاً «، ولو أخَّرْتَ » آخَرَ « في هذين المثالين، فقلت :» مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ كَافِرٍ آخَرَ «، لم يَجُزْ، وليس الآيةُ من هذا؛ لأن تركيبها ﴿ اثنان ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ ف » آخَرَانِ « من جنسِ قوله » اثْنَانِ «، ولا سيما إذا قَدَّرْته :» رَجُلانِ اثْنَانِ « ف » آخَرَانِ « هما من جنْس قوله » رَجُلانِ اثْنَانِ «، ولا يُعْتَبَرُ وصف قوله :﴿ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ ﴾، وإن كان مغايراً لقوله » مِنْ غَيْركُمْ «، كما لا يُعتبر وصفُ الجنْسِ في قولك :» عِنْدِي رَجُلانِ اثْنَانِ مُسْلِمَانِ وآخَرَانِ كَافِرَانِ « ؛ إذ ليس من شرطِ » آخَرَ « إذا تقدَّم أن يكون من جنْس الأول بقيدِ وصفه، وعلى ما ذكرته جاء لسانُ العربِ؛ قال الشاعر :[ البسيط ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
٢٠٦٨- كَانُوا فَرِيقَيْنِ يُصْفُونَ الزِّجَاجَ عَلَى قُعْسِ الكَوَاهِلِ في أشْدَاقِهَا ضَخَمُ
وآخرِينَ تَرَى المَاذِيَّ فَوْقَهُمُ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ أوْ مَا أوْرَثَتْ إرَمُ