٢٠٧١-............................................... يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ ومَاءُ
وكقوله :[ الطويل ]
٢٠٧٢- وَإنَّ حَرَاماً أنَّ أسُبَّ مُجَاشِعاً... بَآبَائِيَ الشُّمِّ الكِرَام الْخََضَارِمِ
وقد فُهِمَ مِمَّا تقدَّم أنَّ الجملة من قوله « يَقُومَانِ » والجارَّ من قوله :« مِنَ الَّذِينَ » : إمَّا مرفوعُ المحلِّ صفةً ل « آخَرَانِ » أو خبرٌ عنه، وإمَّا منصوبُهُ على الحالِ : إمَّا من نَفْسِ « آخَرَانِ »، أو مِنَ الضَّمِير المستكنِّ في « آخَرَانِ »، ويجوزُ في قوله « مِنَ الَّذِين » أنْ يكون حالاً من فاعلِ « يَقُومَانِ ».
قوله :« استحقّ » قرأ الجمهور « استُحِقَّ » مبنيًّا للمفعول، « الأولَيَانِ » رفعاً، وقرأ حفص عن عاصم :« اسْتَحَقَّ » مبنيًّا للفاعل، « الأوليَانِ » كالجماعة، وهي قراءة عبد الله بن عبَّاس وأمير المؤمنين عليٍّ - رضي الله عنهم - ورُوِيَتْ عن ابن كثيرٍ أيضاً، وحمزة وأبو بكرٍ عن عاصمٍ :« استُحِقَّ » مبنيًّا للمفعول كالجماعة، « الأوَّلِينَ » جمع « أوَّل » جمع المذكر السَّالِم، والحسن البصريّ :« اسْتَحَقَّ » مبنيًّا للفاعل، و « الأوَّلانِ » مرفوعاً تثنية « أوَّل »، وابن سيرين كالجماعة، إلا أنه نَصَبَ الأوْلَيْينِ تثنية « أوْلَى »، وقرئ :« الأوْلَيْنَ » بسكون الواو وفتح اللام، وو جمع « أوْلَى » كالأعْلَيْنَ في جمعِ « أعْلََى »، ولما وصل أبو إسحاق الزجاج إلى هذا الموضوع، قال :« هذا موضعٌ من أصْعَبِ ما في القرآن إعراباً ». قال شهاب الدين : ولعَمْرِي، إنَّ القولَ ما قالَتْ حَذَامِ؛ فإن الناس قد دارَتْ رؤوسُهم في فَكِّ هذا التركيب، وقد اجتهدْتُ - بحمد الله تعالى - فلخَّصْتُ الكلام فيها أحسن تَلْخِيصٍ، ولا بدَّ من ذِكْرِ شَيْءٍ من معاني الآية؛ لنستعين به على الإعْراب؛ فإنه خادمٌ لها.
فأمَّا قراءةُ الجُمهورِ، فرفعُ « الأوْلَيَان » فيها أوجه :
أحدها : أنه مبتدأ، وخبره « آخرَانِ »، تقديره : فالأوْلَيَانِ بأمر الميِّت آخَرَانِ، وتقدَّم شرحُ هذا.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمرٍ، أي : هما الأوْليانِ؛ كأنَّ سائلاً يسأل فقال :« من الآخَرَانِ » ؟ فقيل : هما الأوْلَيَانِ.
الثالث : أنه بدلٌ من « آخَرَان »، وهو بدلٌ في معنى البيان للمبدلِ منه؛ نحو :« جَاءَ زَيْدٌ أخُوكَ » وهذا عندهم ضعيفٌ؛ لأنَّ الإبدالَ بالمشتقَّاتِ قليلٌ.
الرابع : أنه عطفُ بيان ل « آخَرَانِ » بيَّن الآخَرَيْنِ بالأوْلَيَيْنِ، فإن قلت : شرطُ عطفِ البيانِ : أن يكون التابعُ والمتبوعُ متفقينِ في التعريفِ والتنكيرِ، على أنَّ الجمهور على عدم جريانه في النكرةِ؛ خلافاً لأبي عَليّ، و « آخَرَانِ » نكرةٌ، و « الأوْلَيَانِ » معرفةٌ، قُلْتُ : هذا سؤالٌ صحيحٌ، ولكنْ يَلْزَمُ الأخفشَ، ويلزمُ الزمخشريَّ جوازُه : أمَّا الأخفشُ فإنه يُجيزُ أنْ يكون « الأوْلَيَانِ » صفةً ل « آخَرَانِ » بما سأقرره عنه عند تعرُّضِي لهذا الوجهِ، والنعتُ والمنعوتُ يُشترط فيهما التوافُقُ، فإذا جاز في النعْتِ، جاز فيما هو شبيهٌ به؛ إذْ لا فرق بينهما إلا اشتراطُ الاشتقاقِ في النعت، وأمَّا الزمخشريُّ، فإنه لا يشترطُ ذلك - أعني التوافُقَ - وقد نَصَّ عليه هو في سورة آل عمران على أن قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon