وأجازَ ابن عطيَّة أن يرتفعَ « الأوْلَيَانِ » ب « استُحِقَّ » أيضاً، ولكن ظاهرُ عبارته؛ أنه لم يُقَدَّر مضافاً؛ فإنه استشعر بإستشكالِ الفارسيِّ المتقدِّم، فاحتالَ في الجواب عنه، وهذا نَصُّه، قال ما ملخَّصُه : إنَّه « حُمِلَ » اسْتُحِقَّ « هنا على الاستعارةِ؛ فإنه ليس استحقاقاً حقيقةً؛ لقوله :» اسْتَحَقَّا إثْماً «، وإنما معناه أنَّهم غَلَبُوا على المالِ بحُكْمِ انفرادِ هذا المَيِّت وعدمه؛ لقرابته أو أهل دينه؛ فجعل تسوُّرَهُمْ عليه استحقاقاً - مجازَاً، والمعنى : من الجماعة التي غابت، وكان منْ حَقِّها أنْ تُحْضِرَ وليَّها، فلمَّا غابَتْ وانفرد هذا الموصِي، استحقَّت هذه الحالَ، وهذان الشاهدانِ من غير أهْل الدِّين والولاية، وأمْرِ الأوْلَيَيْنِ على هذه الجماعة، فبُنِيَ الفعلُ للمفعولِ على هذا المعنى إيجازاً، ويُقَوِّي هذا الفرضَ تعديِّي الفعلِ ب » عَلَى « لمَّا كان باقتدارٍ وحَمْلٍ، هَيَّأتْهُ الحالُ، ولا يُقال : اسْتَحَقَّ منه أو فيه إلاَّ في الاسْتِحْقَاقِ الحقيقيِّ على وجههِ، وأمَّا » اسْتَحَقَّ عليْهِ « فالبحَمْلِ والغلبةِ والاستحقاقِ المُسْتَعَارِ ». انتهى، فقد أسند « اسْتَحَقَّ » إلى « الأوليان » من غير تقدير مضافٍ متأوِّلاً له بما ذكر، واحتملتُ طول عبارته؛ لتتَّضِحَ.
واعلم أنَّ مرفوع « اسْتُحِقَّ » في الأوجهِ المتقدِّمة - أعني غيرَ هذا الوجهِ، وهو إسنادُه إلى « الأوْليانِ » - ضميرٌ يعودُ على ما تقدَّم لفظاً أو سياقاً، واختلفت عباراتُهم فيه، فقال الفارسيُّ، والحُوفيُّ، وأبو البقاء والزمخشريُّ : إنه ضميرُ الإثْمِ، والإثمُ قد تقدَّمَ في قوله :« اسْتَحَقَّا إثْماً »، وقال الفارسيُّ والحُوفِيُّ أيضاً :« اسْتُحِقَّ هو الإيصاءُ أو الوصيَّةُ » قال شهاب الدين : إضمارُ الوصيَّة مُشْكِلٌ؛ لأنه إذا أُسْنِدَ الفعلُ إلى ضمير المؤنَّثِ مطلقاً، وَجَبَتِ التاءُ إلاَّ في ضرورة، ويُونُسُ لا يَخُصُّه بها، ولا جائزٌ أن يقال أضْمَرَا لفظ الوصيَّة؛ لأنَّ ذلك حُذِفَ، والفاعلُ عندهما لا يُحْذَفُ، وقال النحَّاس مستحْسِناً لإضمارِ الإيصَاءِ :« وهذا أحسنُ ما قِيلَ فيه؛ لأنَّه لم يُجْعَلْ حرفٌ بدلاً من حرفٍ »، يعني أنه لا يقُول : إنَّ « عَلَى » بمعنى « فِي »، ولا بمعنى « مِنْ » كما قيل بهما، وسيأتي ذلك - إن شاء الله تعالى -.