وقد جمع الزمخشريُّ غالبَ ما قُلْتُه وحَكَيْتُه من الإعْرَابِ والمعنى بأوجز عبارةٍ، فقال :« ف » آخَرَانِ «، أي : فشَاهِدَانِ آخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الذينَ اسْتُحِقَّ عليهِم، أي : استُحِقَّ عليْهِمُ الإثمُ، ومعناه : مِنَ الذين جُنِيَ عليهمْ، وهم أهلُ الميِّتِ وعشيرتُهُ والأوليانِ الأحقَّانِ بالشَّهادةِ لقَرَابَتهِمَا ومَعْرِفَتِهِمَا، وارتفاعُهُمَا على :» هُمَا الأوْلَيَانِ « ؛ كأنه قيل : ومَنْ هُمَا؟ فقيل : الأوْلَيَانِ، وقيل : هما بدلٌ من الضَّمير في » يَقُومَانِ « أو من » آخَرَانِ «، ويجوزُ أنْ يرتفِعَا ب » اسْتُحِقَّ «، أي : من الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عليْهِمُ انتدابُ الأوْلَيَيْنِ مِنْهُمْ للشهادة؛ لاطِّلاعهم على حقيقة الحَالِ ».
وقوله « عَلَيْهِم » : في « عَلَى » ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنها على بابها، قال أبو البقاء :« كقولك : وَجَبَ عليهم الإثْمُ »، وقد تقدَّم عن النحَّاس؛ أنه لمَّا أضْمَرَ الإيصاءَ، بَقَّاها على بابها، واستحْسَنَ ذلك.
والثاني : أنها بمعنى « فِي » أي : استُحِقَّ فيهم الإثمُ، فوقَعَتْ « عَلَى » موقع « فِي » كما تقعُ « فِي » موقعها؛ كقوله تعالى :﴿ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ [ طه : ٧١ ] أي : على جُذُوعِ، وكقوله :[ الكامل ]

٢٠٧٤- بَطَلٌ كَأنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْءَمِ
أي : على سَرْحةٍ، وقدَّره أبو البقاء فقال :« أي : استُحِقَّ فيهم الوصيَّةُ ».
والثالث : أنها بمعنى « مِنْ » أي : استُحِقَّ مِنْهُمُ الإثْمُ؛ ومثلُه قولُه تعالى :﴿ إِذَا اكتالوا عَلَى الناس ﴾ [ المطففين : ٢ ] أي : مِنَ الناس، وقدَّره أبو البقاء فقال :« أي : استُحِقَّ منهم الأوْليَانِ » فحينَ جعلها بمعنى « فِي » قدَّر « اسْتُحِقَّ » مُسْنَداً للوصية؛ وحين جعلها بمعنى « مِنْ »، قدَّره مُسْنِداً ل « الأوْلَيَانِ »، وكان لَمَّا ذكر القائمَ مقامَ الفاعلِ، لم يذكر إلا ضميرَ الإثم و « الأوْلَيَانِ »، وأجاز بعضهم أنْ يُسْنَدَ « اسْتُحِقَّ » إلى ضمير المالِ، أي : اسْتُحِقَّ عليْهِمُ المالُ المَوْرُوثُ، وهو قريبٌ.
فقد تقرَّر أنَّ في مرفوعِ « اسْتُحِقَّ » خمسة أوجه :
أحدُها :« الأوْلَيَانِ ».
والثاني : ضميرُ الإيصاء.
والثالث : ضميرُ الوصية، وهو في المعنى كالذي قبله وتقدَّم إشكالُه.
والرابع : أنه ضميرُ الإثْمِ.


الصفحة التالية
Icon