قوله :« أوْ يَخَافُوا » في نصبه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب؛ عطفاً على « يَأتُوا »، وفي « أوْ » على هذا تأويلان :
أحدهما : أنها على بابها من كونها لأحدِ الشيئين، والمعنى : ذلك الحكمُ أقربُ إلى حصول الشهادة على ما ينبغي، أو خوفِ رَدِّ الأيمانِ إلى غيرهم، فتسقطُ أيمانهم، والتأويلُ الآخر :[ أن ] تكون بمعنى الواو، أي : ذلك الحُكْمُ كله أقربُ إلى أنْ يَأتُوا، وأقربُ إلى أن يَخَافُوا، وهذا مفهومٌ من قول ابن عبَّاسٍ.
الثاني من وجهي النصب : أنه منصوبٌ بإضمار « أنْ » بعد « أوْ »، ومعناها هنا « إلاَّ » ؛ كقولهم :« لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَني حَقِّي »، تقديره : إلاَّ أنْ تَقْضِيني، ف « أوْ » حرفُ عطفٍ على بابها، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار « أنْ » وجوباً، و « أنْ » وما في حيِّزها مُؤوَّلةٌ بمصْدرٍ، ذلك المصدرُ معطوفٌ على مصدر متوهَّم من الفعلِ قبله، فمعنى :« لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي » : لَيَكُونَنَّ منِّي لُزُومٌ لك أو قَضَاؤُكَ لِحَقِّي، وكذا المعنى هنا أي : ذلك أدنى بأن يأتوا بالشهادةِ على وجهها؛ وإلاَّ خَافُوا رَدَّ الإيمانِ، كذا قدَّره ابن عطية بواوٍ قبل « إلاَّ »، وهو خلافُ تقدير النحاة؛ فإنَّهمْ لا يقدِّرون « أوْ » إلا بلفظ « ألاَّ » وحدها دون واو، وكأن « إلاَّ » في عبارته على ما فهمه أبو حيان ليسَتْ « إلاَّ » الاستئنائيةَ، بل أصلُها « إنْ » شرطيةً دخلتْ على « لاَ » النافيةِ فأدْغِمَتْ فيها، فإنه قال :« أو تكون » أو « بمعنى » إلاّ إنْ «، وهي التي عبَّر عنها ابن عطيَّة بتلك العبارةِ من تقديرها بشرطٍ - محذوفٍ فعلُه - وجزاءٍ ». انتهى، وفيه نظرٌ من وجهَيْن :
أحدهما : أنه لم يَقُلْ بذلك أحدٌ، أعني كون « أوْ » بمعنى الشرط.
والثاني : أنه بعد أنْ حَكَمَ عليْهَا بأنها بمعنى « إلاَّ إنْ » جعلها بمعنى شرطٍ حُذِفَ فعلُه.