٢٠٧٥- مَاذَا يَغِيرُ ابنَتَيْ رَبْعٍ عَوِيلُهُمَا | لاتَرْقُدانِ وَلاَ بُؤسَى لِمَنْ رَقَدَا |
الثالث : أنَّ « مَا » مجرورةٌ بحرفِ جَرٍّ مقدَّرٍ، لمَّا حُذِفَ بقيتْ في محلِّ نصبٍ، ذكره أبو البقاء وضعَّف الوجه الذي قبله - أي كون ذا موصولةً - فإنه قال :« مَاذَا في موضعِ نصْبٍ ب » أُجبْتُمْ «، وحرفُ الجرِّ محذوفٌ، و » مَا « و » ذَا « هنا بمنزلةِ اسْمٍ واحدٍ، ويَضْعُفُ أنْ تُجْعَلَ » مَا « بمعنى » الَّذِي « ؛ لأنه لا عائد هنا، وحذفُ العائدِ مع حرفِ الجَرِّ ضعيفٌ ». قال شهاب الدين أمَّا جَعْلُه حذفَ العائدِ المجرورِ ضعيفاً، فصحيحٌ تقدَّم شرحُه والتنبيهُ عليه، وأمَّا حذفُ حرفِ الجر وانتصابُ مجرورِه، فهو ضيعفٌ أيضاً، لا يجوزُ إلاَّ في ضرورةٍ؛ كقوله :[ الطويل ]
٢٠٧٦- فَبِتُّ كَأنَّ العَائِدَاتِ فَرَشْنَنِي | .......................... |
٢٠٧٧-.......................... | وأُخْفِي الَّذِي لَوْلاَ الأسَى لَقَضَانِي |
٢٠٧٨- تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا | .......................... |
الرابع : قال ابن عطيَّة - رحمه الله - :« معناه : ماذا أجابَتْ به الأممُ »، فجعل « مَاذَا » كنايةً عن المُجَابِ به، لا المصدرِ، وبعد ذلك، فهذا الكلامُ منه محتملٌ أنْ يكونَ مثل ما تقدَّمَ حكايتُهُ عن الحُوفِيِّ في جعله « مَا » مبتدأ استفهاميةً، و « ذَا » خبره؛ على أنها موصولةٌ، وقد تقدَّم التنبيهُ على ضعفه، ويُحْتملُ أن يكون « مَاذَا » كلُّه بمنزلةِ اسمِ استفهامٍ في محلِّ رفع بالابتداء، و « أُجِبْتُمْ » خبرُه، والعائدُ محذوفٌ؛ كما قدَّره هو، وهو أيضاً ضعيفٌ؛ لأنه لا يُحْذَفُ عائدُ المبتدأ، وهو مجرورٌ إلا في مواضعَ ليس هذا منها، لو قلت :« زَيْدٌ مَرَرْتُ » لم يَجُزْ، وإذا تبيَّن ضعفُ هذه الأوجهِ، رُجِّح الأول.
والجمهورُ على « أُجِبْتُمْ » مبنيًّا للمفعول، وفي حذفِ الفاعل هنا ما لا يُبْلَغُ كُنهُهُ من الفصاحة والبلاغة؛ حيث اقتصرَ على خطاب رسله غيرَ مذكورٍ معَهُم غيرُهم؛ رفْعاً من شأنهم وتشريفاً واختصاصاً، وقرأ ابن عبَّاس وأبو حيوة « أجَبْتُمْ » مبنيًّا للفاعل، والمفعول محذوف، أي : ماذا أجَبْتُمْ أمَمَكُمْ حين كَذَّبُوكُمْ وآذَوْكُمْ، وفيه توبيخٌ للأمَمِ، وليستْ في البلاغةِ كالأولى.