وقولنا :« أحْكَام »، وقد تقدَّم منها ما ذكرنَاه من جوازِ فتحهِ إتباعاً، ومنها : حَذْفُ ألفه خَطًّا، ومنها : حَذْفُ تنوينه في غير النداء؛ لأنَّ المنادى لا تنوينَ فيه وفي قوله :« ابْنَ مريمَ » ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أنه صفةٌ؛ كما تقدَّم، والثاني : أنه بدلٌ، والثالث : أنه بيانٌ؛ وعلى الوجهين الأخيرَيْن : لا يجوزُ تقديرُ الفتحة إتباعاً؛ إجماعاً، لأنَّ الابنَ لم يَقَعْ صفةً، وقد تقدَّم أنَّ ذلك شرطٌ.
وأرَادَ بالنِّعْمَة : الجَمْع كقوله :﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ ﴾ [ النحل : ١٨ ]، وإنَّمَا جاز ذلك؛ لأنَّهُ مضافٌ يَصْلُح للجِنْسِ.

فصل


قال القُرْطُبِي : إنما ذَكَّرَ الله - تبارك وتعالى - عيسَى - ﷺ - نَعْمَته عليه وعلى وَالِدَتِهِ، وإن كان لَهُمَا ذاكراً لأمرين :
أحدهما : ليتلو على الأمَمِ بما خَصَّصَهَا به من الكرامةِ، ومَيَّزها به من عُلُوِّ المَنْزِلَة.
والثاني : ليُؤكِّد به حُجَّتَه، ويردّ به جَاحِدَهُ، وفَسَّرَ نِعْمَتَهُ عليه بأمور :
أوَّلُها : قوله تعالى :﴿ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس ﴾ في « إذْ » أربعةُ أوجه :
أحدها : أنه منصوبٌ ب « نِعْمَتِي » ؛ كأنه قيل : اذكُرْ إذْ أنعمْتُ عليْكَ وعلى أمِّكَ في وقت تأييدي لك.
والثاني : أنه بدلٌ من « نِعْمَتِي » بدلُ اشتمال، وكأنه في المعنى يفسِّر النعمة.
والثالث : أنه حالٌ من « نِعْمَتِي »، قاله أبو البقاء.
والرابع : أن يكون مفعولاً به على السَّعَة، قاله أبو البقاء - رحمه الله تعالى - أيضاً قال شهاب الدين : هذا هو الوجهُ الثاني - أعني البدليةَ -، وقرأ الجمهور « أيَّدتُّكَ » بتشديد الياء، وغيرهم « آيدتُّكَ » وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك في سورة البقرة مُشْبَعاً، ومعنى الآية الكريمة : أي : قَوْمَك بِمَا يَجُوزُ من الأَيْدِ، وهو القُوَّة.

فصل


المرادُ بِرُوحِ القُدُسِ : جبريل - ﷺ -، والقُدُس : هو اللَّهُ تعالى، كأنَّه أضافَهُ إلى نَفْسِهِ تَعْظِيماً، وقيل : إنَّ الأرْوَاحَ مُخْتَلِفَةٌ بالماهِيَّةِ : فمنها طَاهِرَةٌ نُورَانيَّةٌ، ومنها خَبِيثة ظُلْمانيَّة، ومنها : مُشْرِقَة ومنها كَدِرة، ومنها خَيِّرَةٌ ومنها نَذِلَةٌ؛ ولهذا قال - ﷺ - :


الصفحة التالية
Icon