قال شهاب الدين - رحمه الله تعالى- : ولو قدَّره أبو البقاءِ بخاصِّ لكان أحْسَنَ من تقديرِه بلفظ « شيء »، فكان يقول : مَكَّنَّاهُمْ تمكيناً لم نمكّنه لكم.
والضمير في « يروا » قيل : عائدٌ على المُسْتَهْزِئين، والخطابُ في « الكم » راجعٌ إليهم أيضاً، فيكون على هذا التِفَاتاً فائدتُهُ التَّعْريض بقلَّةِ تمكُّنِ هؤلاء، ونَقْصِ أحوالهم عن حَالِ أولئك، ومع تمكينهم وكثرتهم فقد حَلَّ بهم الهَلاَكُ، فكيف وأنتم أقَلُّ منهم تمكيناً وعدداً؟.
وقال ابن عطيَّة - رحمه الله تعالى - :« والمُخَاطَبَةُ في » الكم « هي للمؤمنين ولجميع المُعَاصرين لهم ولسائِرِ النَّاس كافَّةً، كأنه قيل : لم نُمَكِّن يا أهل هذا العَصْرِ لكم، ويحتمل أن يُقدَّر معنى القول لهؤلاء الكَفَرَةِ، كأنه قال : يا مُحَمَّدُ قُل لهم :» ألَمْ يَرَوا كَمْ أهْلَكْنَا « الآية، فإذا أخبرت أنك قُلْتَ - أو أمَرْتَ أن يُقال - فلك في فَصيح كلام العرب أن تحكي الألْفَاظَ المَقُولَةَ بعينها، فتجيءَ بلفظ المُخَاطبة، ولك أن تجيء بالمعنى في الألفاظ بالغَيْبَةِ دون الخطاب » انتهى.
ومثاله :« قُلْتُ لزيد : ما أكرمك، أو ما أكرمه ».
و « القَرْنُ » يقع على مَعَانٍ كثيرةن فالقرن : الأمَّةُ من النَّاس، سُمُّوا بذلك لاقُتِرَانهِمْ في مُدَّةٍ من الزَّمانِ، ومنه قوله - ﷺ - :« خَيِْرُ القُرونِ قَرْنِي »
وقال الشاعر [ في ذلك المعنى :] [ الطويل ]
-... ٢١٠٨أخَبِّرُ أخْبَارَ القُرُونِ التي مَضَتْ
أدِبُّ كَأنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ... وقال قَسُّ بنُ سَاعِدَةَ :[ مجزوء الكامل ]
٢١٠٩-... فِي الذَّاهبينَ الأوَّلِي
نَ مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِر... وقيل : أصله الاتفاعُ، ومنه قَرْنُ الثَّوْرِ وغيره، فَسُمُّوا بذلك لارتفاع السِّنِّ.
وقيل : لأنَّ بعضهم يُقْرَنُ ببعض، ويُجْعَلُ مجتمعاُ معه، ومنه القرنُ للحَبْلِ يُجْمَعُ به بين البَعيريْنَ، ويُطلَقُ على المُدَّة من الزَّمان أيضاً.
وهل إطلاقُهُ على النَّاسِ والزَّمان بطريق الاشْتَرَاكِ، أو الحقيقة والمجاز؟ يُرَجَّعُ الثَّاني؛ لأنَّ المجَازَ خيرٌ من الاشْتِرَاكِ.
وإذا قُلنا بالراجح، فإنها الحقيقة، الظاهر أنه القَوْمُ؛ لأنَّ غالب ما يُطْلَقُ عليهم، والغَلَبَةُ مُؤذِنّةٌ الأصَالَةِ غالباً. وقال ابنُ عطيَّة - رحمه الله تعالى :- القَرْنُ أنْ يكون وفاةُ الأشيخ وولادَةُ الأطفال، ويَظْهَرُ ذلك من قوله تعالى :﴿ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِين ﴾ [ الأنعام : ٦ ] فجعله مَعْنّى، وليس بواضح وقيل : القَرْنُ : النَّاسُ المجتمعون كما تقدَّم، قلّت السِّنُون أو كثُرتْ، واستدلُّوا بقوله ﷺ :« خَيْرُ القُرونِ قَرْنِي » وبقوله :[ مجزوء الكامل ]
٢١١٠- فِي الذَّاهبين الأوَّلي... نَ مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِر
وبقول القائل في ذلك :[ الطويل ]
٢١١- إذَا ذَهَبَ القَوْمُ الَّذِي كُنْتَ فِيهِمُ... وَخُلِّفْتَ فِي قَرْنِ فَأنْتَ غَرِيبُ
فأطلقوه على النَّاسِ ليفيد الاجتماع.