ثم اختلفت النَّاسِ في كميةِ القَرْنِ حالة إطلاقه على الزَّمان، فالجمهور على أنَّهُ مائة سنة، واستدلُّوا له بقوله عليه السلام :« تَعيشُ قَرْناً » فعاش مائة سَنَةٍ، وقيل : مائة وعشرون سنة، قاله إيَاسُ مُعَاويَةَ، وزارة بن أبي أوفى.
وقيل : ثمانون نقله أبو صالح عن ابن عبَّاسٍ.
وقيل : سبعون؛ قاله الفرّاء.
وقيل : ستُّون لقوله عليه السلام :« مُعْتَرَكُ المنَايَا ما بَيْنَ السِّتِّنَ إلى السِّبعينَ »
وقيل : أربعُون، حكاه محمد بن سيرين، يرفعه إلى النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلامُ، وكذلك الزَّهراوي أيضاً يرفعه إلى النبي ﷺ وقيل : ثلاثون حكاهُ النَّفَّاش عن أبي عُبَيْدة، كانوا يرون أن ما بين القرنين ثلاثون سنة.
وقيل : عشرون سنةً، وهو رأي الحَسَنِ البصري.
وقيل : ثمانية عشر عاماً.
وقيل : المقدار الوَسَطُ مثل أعمار أهل ذلك الزمان، واسْتُحْسِنَ هذا بأنَّ أهل الزَّمَنِ القديم كانوا يعيشون أربعمائة سَنَةً، وثلاثمائة سنة، وألفاً وأكثر وأقلَّ.
ومعنى الآية : أعطيناهم ما لم نُعْطِكُمْ.
وقال ابن عبَّاسٍ : أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعادٍ وثمود.
قوله :﴿ وَأَرْسَلْنَا السمآء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً ﴾ يعني المَطَرَ « مِنفْعَال » من الدَّرِّ و « مِدْرَاراً » حالٌ من « المساء » إنْ أُريد بها السحاب، فإن السحاب يوصف بكثرةِ التَّتَابُع أيضاً.
قال ابنُ عبَّاسٍ : مِدْرَاراً مُتَتَبابِعاً في أوْقاتِ الحَاجَاتِ، وإن أُريَد بها الماء فكذلك، ويَدُلُّ على أنه يُرَادُ به المَاءُ قوله في الحديث :« في أثر سماءٍ كَانَتْ من اللَّيلِ » ويقولون : ما زلنا نَطَأُ السماء حتى أتيناكم، ومنه :[ الوفر ]

٢١١٢- إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بأرْضِِ قَوْم رَعَيْنَاهُ وإنْ كَانُوا غِضَابا
أي : رَعَيْنَا ما نيشأ عنه، وإن أُريدَ بها هذه المِظَلَّةُ، فلا بُدّ من حذف مُضافٍ حينئذٍ، أي : مَطَر السماء، ويكون « مِدْرّاراً » حالاً منه.
و « مِدْرَاراً » مِفعال للمُبالغةِ كامرأة مِذْكارِ ومئناث.
قالوا : وأصله من « دَرَّ اللَّبَن » وهو كَثْرةُ ورودِه على الحالِبِ.
ومنه :« لا دَرَّ دَرُّهُ » في الدُّعَادءِ عليه بقلَّةِ الخير.
وفي المَثَلِ « سَبَقَتْ درَّتُه غِزَارَهُ » وهي مثلُ قولهم :« سَبَقَ سَيْلُهُ مَطَرَه » و « استدَّرت المِعْزَى » كناية عن طلبها الفَحْلَ.
قالوا : لأنَّها إذا طَلَبَتْهُ حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ فَدَرَّتْ.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا الأنهار تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ﴾ إن جعلنا « جَعَلَ » تَصْييريةً كان « تجري » مفعولاً ثانياً، وإن جعلناها إيجادِيَّةً كان حالاً.
و « من تحتهم » يجوز فيه أوجه :
أن يكون متعلّقاً ب « تجري »، وهو أظهرها، وأن كون حالاً، إمَّا من فاعل « تجري »، أو من « الأنهار »، وأنْ يكون مفعولاً ثانياً « جَعَلْنَا » و « تجري » على هذا حالٌ من الضمير في الجَازَّ، وفيه ضَعْفٌ لتقدُّمِهَا على العامل المَعْنَوِيّ، ويجوز أن يكون « من تحتهم » حالاً من « الأنْهَار » كما تقدَّم، و « تجري حالٌ من الضمير المُسْتَكِنِّ فيه، الضَّعْفُ المتقدّمُ.


الصفحة التالية
Icon