قال القُرْطُبِي :[ قال ] أبو علي : قد يكونُ ذلك بأن يحول الله الأرْضَ التي هم عليها إذا نَامُوا فيردَّهم إلى المكان الذي ابْتَدؤوا منه، وقد يَكُون بغير ذلك من الاشتباه والأسْبَاب [ المَانِعَة من ] الخُرُوج عنها على طَريق المُعْجِزة الخارجة عن العَادَة.
قال بعضهم : إنَّ هارون وموسى لم يكُونَا فيهم، والصَّحِيح : أنَّهما كانا فيهم، ولم يكن لهما عُقُوبة لكن كما كَانَت النَّار على إبْرَاهيم بَرْداً وسَلاَماً وإنما كانت العقوبة لأولَئِك الأقْوام، ومات في التِّيه كل من دَخَلها ممن جاز عشرين سنة غير يُوشَع وكالب، ولم يدخل أريحاء أحَدٌ ممَّن قالوا :﴿ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ [ أَبَداً ] ﴾ [ المائدة : ٢٤ ] فلما هَلَكُوا وانْقَضت الأربعون سنة، وَنَشَأت [ النَّواشئ ] من ذراريهم ساروا إلا حرب الجبَّارِين، واخْتَلَفُوا فيمن تولَّى الحرب وعلى يدي من كان الفتح فقيل : إنَّما فَتَح أريحاء موسى، وكان يُوشع على مقدمته، فسار موسى عليه السلام إليهم فيمن بقي من بني إسرائيل فدخلها يوشع، فقالت الجَبَابِرَة ثم دَخَلَها موسى، وأقام فيها ما شاء الله، ثم قَبَضَهُ اللَّه إليه، ولا يعلم قبره أحد، وهذا أصَحُّ الأقوال. وقيل : إنما قاتل الجبَّارين يُوشع، ولم يَسِر إليهم إلا بعد موت موسى - عليه السلام -، وقالوا : مات مُوسى وهارون جميعاً في التِّيه.
قال القُرْطُبِيُّ : روى مُسْلِمٌ عن أبِي هُرَيْرَة قال :« أرْسَلَ اللَّهُ ملك المَوْتِ إلى مُوسَى - ﷺ -، فلما جاءَهُ، صَكَّهُ وفَقَأ عَيْنَه، فرجع إلى رَبِّه فقال :» أرْسَلْتَنِي إلى عَبْدٍ لا يُريد الموْتَ «، قال : فَرَدَّ الله إلَيْه عَيْنَهُ، وقال : ارجع إلَيْه وقل له : يضع يده على مَتْن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سَنَة. قال :» أي رب ثم مَهْ «، قال :» ثم الموت « قال :» فالآن « ؛ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدّسة رمية بحجر؛ فقال رسول الله ﷺ :» فلو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثِيب الأحمر « فهذا نبينا ﷺ قد علم قبره ووصف موضعه، ورآه فيه قائماً يصلي كما في حديث الإسراء، إلا أنه يحتمل أن يكون أخفاه الله عن الخلق سواه ولم يجعله مشهوراً عندهم؛ ولعل ذلك لئلا يُعبد، والله أعلم. ويعني بالطريق طريق بيت المقدس. ووقع في بعض الروايات إلى جانب الطُّور مكان الطريق. واختلف العلماء في تأويل لَطْم موسى عين مَلك الموت وفَقْئها على أقوال؛ منها : أنها كانت عيناً متخيلة لا حقيقة، وهذا باطل، لأنه يؤدّي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له.
ومنها : أنها كانت عيناً معنوية وإنما فقأها بالحجة، وهذا مجاز لا حقيقة. ومنها : أنه عليه السلام لم يعرف ملك الموت، وأنه رأى رجلاً دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها؛ وتجب المدافعة في هذا بكل ممكن.