قوله :« وأوْحِيَ » الجمهور على بِنَائِهِ للمفعول، وحُذِف الفاعل للعمل به، وهو الله تبارك وتعالى.
و « القرآن » رفع به.
وقرأ أبو نهيك، والجحدري، وعكرمة، وابن السَّمَيْفَع :« وأوْحَىط ببنائه للفاعل، » القرآن « نَصْباً على المفعول به.
و » لأنْذِرَكُمْ « متعلِّقٌ ب » أوحي «.
قيل : وثمَّ مَعْطُوف حُذِفَ لدلالة الكلام عليه، أي : لأنذركم به وأبَشِّركم به، كقوله تعالى :﴿ تَقِيكُمُ الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ] ن وتقدم فيه نظائرُن وقيل : لا حاجة إليه، لأن المقام مَقَمامُ تخويف.
فصل في بيان معنى الآية
والمعنى : اللَّهُ شهيدٌ بيني وبينكم أنِّي قد أبلغكم وصدّقْتُ فيما قلته وادَّعْتُهُ من الرسالة، والقرآن أيضاً شَاهِدق بنبوتِّي لأنذركم به يا أهل » مكة « ن ومن بلغه القرآن العظيم.
قوله تعالى :» ومَنْ بَلَغَ « فيه ثلاثةُ أقوال :
أحدهما : أنه في مَحَلِّ نَصْبِ عطفاً على المنصوب في » لأنْذِرَكُمْ «، وتكون » مَنْ « موصولةٌ، والعائِدُ عليها من صِلَتِهَا مَحْذُوفٌ.
أعني : ولأنذر الذي بلغه القرآن الكريم من العَرَبِ والعَجَمِ.
وقيل : من الثَّقَلَيْنِ.
وقيل : من بَلَغَهُ [ من القرآن الكريم ] إلى يوم القيامةِ.
وعن سعيد بن جبير :» من بلغه من القرآن، فكأنما رأى مُحَمَّداً عليه الصَّلاة والسَّلامُ «.
الثاني : أنَّ في » بَلَغَ « ضميراً مرفوعاً يَعُودُ على » مَنْ «، ويكون المفعول محذوفاً، وهو منصوب المَحَلّ أيضاً نَسَقاً على مَفْعُول » لأنذركم « والتقدير : ولأنذر الذي بَلَغَ الحُلُمَ، فالعَائِدُ هنا مُسْتَتِرٌ في الفعل.
الثالث : أنّ » مَنْ « مرفوعةُ المحلِّ نَسَقاً على الضَّميرِ المرفوع في » لأنذركم «، وجاز ذلك؛ لأنَّ الفصل بالمفعول والجارِّ والمجرور أغْنَى عن تأكيده، والتقديرُ : لأنذركمن به، ولينذركم الذي بَلَغَهُ القرآن.
قوله :» أإنًّكُمْ « الجمهور على القراءة بهمزتين : أولاهما للاستفهام، وهو استفهامُ تَفْريعٍ وتوبيخ.
قال الفراء - رحمه الله تعالى- : ولم يَقُل آخر لأن الآلهة جمع، والجمع يقع عليه التأنيث، كقوله :﴿ وَللَّهِ الأسمآء الحسنى ﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ] وقوله :﴿ فَمَا بَالُ القرون الأولى ﴾ [ طه : ٥١ ] [ ولم يقل الأوّل، ولا الأولينن وكل ذلك صوابٌ ] وقد تقدَّم الكلامُ في قراءاتٍ مثل هذا.
قال أبو حيَّان :» وبِتَسْهيلِ الثانية، وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المُسَهَّلَة، روى هذه الأخيرة الأصمعي عن أبي عمرو، ونافع « انتهى.
وهذا الكلام يؤذن بأنها قراءةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ، وليس كذلك، بل المَرْوِيُّ عن أبي عمرو- رضي الله عنه - المَدُّ بين الهَمْزَتَيْنِ، ولم يُخْتَلَفْ عن قالون في ذلك.
وقرئ بهمزة واحدة وهي محتملةٌ للاستفهام، وإنَّما حُذِفَتْ لفهم المعنى، ودلالة القراءة الشهيرة عليها، وتحتمل الخبر المَحْضَ.
ثم هذه الجملة الاستفهامية، يحتمل أن تكون مَنْصُوبَةَ المَحَلّ لكونها في حَيَّزِ القول، وهو الظَّاهرن كأنه أُمِرَ أن يقول : أيُّ شيء أكْبَرُ شَهَادً’ وأن يقول أإنكم لتشهدون.