وقوله :﴿ يَقُولُ الذين كَفَرُوا ﴾ تفسيرٌ له، والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم يجادلونك ويُنَاكِرُونَكَ.
وفسَّرَ مُجَادَلَتَهُمْ بأنهم يقولون :﴿ إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ قال أبو حيَّان :« وقد وُفَّقَ الحوفي، وأبو البقاء، وغيرهما للصواب في ذلك » ثمَّ ذكر عِبَارَةَ أبي البقاء والحوفي، وقال أيضاً : و « حتى » إذا وقع بعدهما « إذا »، يُحْتمل أن تكون بمعنى « الفاء »، ويحتمل أن تكون بمعنى « إلى أن »، فيكون التقديرُ : فإذا جَاءُوك يُجَادِلُونَكَ يقول، أو يكون التقدير : وجعلنا على قلوبهم أكنَّة، وكذا إلى أن قالوا : إن هذا إلاَّ أساطير الأوَّلين، وقد تقدَّم أن « يُجَادِلُونك » حالٌ من فاعل « جَاءُوكَ »، و « يقول » : إمَّا جواب :« إذا » وإمَّا مفسَّرةٌ للمجيء، كما تقدَّم تقريره.
و « أساطير » فيه أقوال :
أحدهما : أنه جمع لواحد مُقَدَّرٍ، واخْتُلِفَ في ذلك المُقَدَّرٍ، فقيل : أسْطُورة، وقيل : أسْطَارة، وقيل أسْطُور، وقيل : أسْطَار، وقيل إسْطِيرة وقال بعضهم : بل لُفِظَ بهذه المفردات.
والثاني : أنه جَمْعٍ ف « أساطير » جمع « أسْطار »، و « أسطار » جمع « سَطَر » بفتح الطاء، وأمَّا « سَطْر » بسكونها فَجَمْعُهُ في القِلَّةِ على « أسْطُر »، وفي الكثرة على « سطور » ك « فَلْس » و « أفْلُس » و « فُلُوس ».
والثالث : أنه جَمْعُ الجَمْعِ ف « أساطير » جمع « أسْطَار »، و « أسطار » جمع « أسْطُر »، و « سَطْر » جمع « سَطر » وهذا مرويُّ عن الزَّجَّاج، وليس بشيء فإنَّ « أسْطَار » ليس جمع « أسْطر »، بل هما مِثَالاً جَمْع قلَّة.
الرابع : أنه اسم جمع.
قال : ابن عطية :« هو اسمُ جمع لا واحد له من لفظه » وهذا ليس بشيء؛ لأنَّ النحويين قد نَصُّوا على أنه كان على صيغةٍ تَخُصُّ الجُمُوع لم يُسمُّوه اسم جمع، بل يقولون : هو جمع ك « عَبَاديد » و « شَمَاطِيط »، فظاهر كلام الرَّاغب - رحمه الله تعالى- : أن « أساطير » جمع « سَطَر » بفتح الطاء، فإنه قال : وجمع « سَطَر » - يعين بالفتح- « أسطار » و « أساطير ».
وقال المُبَرَّد - رحمه الله تعالى- : هي جمع « أسْطُورة » نحو :« أرْجُوحَة » و « أراجيح » و « أحْدُوثَة » و « أحاديث ».
ومعنى « الأساطير » : الأحاديث الباطلة والُّرَّهَات ممَّا لا حَقيقَةَ له.
وقال الواحدي - رحمه الله تعالى :- أصلُ « الأسَاطير » من « السَّطْر » وهو أن يجعل شيئاً ممتداً مُؤلَّفاً، ومنه سَطْرُ الكتاب، وسطر من شجر مفروش.
قال ابن السكيت : يقال سَطْرٌ وسِطْرٌ، فمن قال :« سَطْر » فجمعه في القليل « أسْطُر »، والتكثير « سْطُور »، ومن قال :« سِطْر » فجمعه « أسْطَار »، و « الأساطير » جمع الجمع.
وقال الجبائي - رحمه الله تعالى- : واحدُ الأساطير « أسْطُور » و « أسطورة » و « إسطيرة ».
قال جمهور المفسرين : أساطير الأولين ما سَطَّرَهُ الأوَّلون.
وقال ابن عباس : معناه أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها، أي : يَكْتُبُونَهَا.


الصفحة التالية
Icon