لمَّا بيَّن أنهم يهلكون أنْفُسَهُمْ شَرَحَ كَيْفِيَّة ذلك الهلاك فقال :﴿ وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار ﴾، وبجواب « لو » محذوف لفهم المعنى، والتقدير :« لرأيت شيئاً عظيماً وَهَوْلاً مُفْظَعْاً ».
وحذف الجواب كثر في التَّنْزِيلِ، وفي النظم كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً ﴾ [ الرعد : ٣١ ].
وقول الآخر [ في ذلك :] [ الطويل ]
٢١٣٥- وَجَدِّكَ لَوْ شَيءٌ أتَانَا رَسُولُهُ... سِوَاكَ ولَكِنْ لَمْ نَجَدْ لَكَ مَدْفَعاَ
وقوله :[ الطويل ]
٢١٣٦... - فَلَوْ أنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَة
َ ولَكنَّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أنْفُسَا... وقله الآخر فأجاد :[ الكامل ]
٢١٣٧- كَذَبَ العَوَاذِلُ لَوْ رَأيْنَ مُنَاخَا... بِحَرْيزِ رَامَهض والمَطِيُّ سَوَامِي
وحذفُ الجواب أبْلِغُ [ قالوا :] لأن السَّامِعَ تذهب نَفْسُهُ كل مذهب، ولو صرَّح له بالجواب وطَّنَ نفسه عليه فلم يحسن منه كثيراً، ولذلك قال كثير في ذلك :[ الطويل ]
٢١٣٨-فَقُلْتُ لَهَا يَا عَزُّ كُلُّ مُصِيبَةٍ... إذَا وطِّنَتْ يَوْماً لَهَا النَّفْسُ ذَلَّتِ
وقوله :« ترى » يجوز أن تكون بصريسةً، ومفعولها محذوف، أي : ولو ترى حالهم، ويجوز أن تكون القَلْبِيَّةَ، [ والمعنى :] ولو صرفتع فكرك الصحيح لأنْ تَتَدَبَّرَ حَالَهُمْ لازْدَدْتَ يقيناً.
وفي « لو » [ هذه ] وجهان :
أظهرهما : أنها الامتناعية، فينصرف المُضَارعُ بعدها للمُضِيَّ، ف « إذا » باقيةٌ على أصلها من دلالتها على الزَّمِنِ الماضي، وهذا وإن كان لم يقع بعدُ؛ لأنه سيأتي يوم القيامة، إلاَّ أنه أبرز في صورة الماضي لتحقُّقِ الوَعْدِ.
والثاني : أنها بمعنى « أنْ » الشَّرطيَّة، و « إنْ » هنا تكون بمعنى « إذا »، والذي حمل [ هذا ] القائل على ذلك كَوْنُهُ لم يقع بعد وقد تقدَّمَ تأويله.
وقرأ الجمهور- رضي الله عنهم :- « وُقِفُوا » مبنيَّا للمفعول من « وقف » ثلاثياً [ و « على » يحتمل أن تكون على بابها وهو الظاهر أي : حبسوا عليها، أو عرضوا عليها، وقيل : يجوز ] أن تكون بمعنى « في »، أي في النَّار، كقوله :« » عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ «، اي : في ملك سليمان.
وقرأ ابن السَّمَيْفَعِ، وزيد بن علي :» وَقَفُوا « مبيناً للفاعل.
و » وَقَفَ « يتعدَّى ولا يتعدَّىن وفرَّقَتِ العَرَبُ بينهما بالمَصْدَرِ، فمصدر اللازم على » فُعُول «، ومصدر المُتعدِّي على » فَعْل « ولا يقال : أوْقَفْتُ.
قال أبو عمرو بن العلاء :» لم أسْمَعْ شيئاً في كلام العرب :« أوقفت فُلاناً »، إلاَّ أنِّي لو رأيت رَجُلاً وافقاً فقلت له :« ما أوقفك هاهنا » لكان عندي حَسَناً « وإنما قال كذلك؛ لأنَّ تعدِّي الفِعْل بالهمزة مقيسٌ نحو : ضحك زيدٌ وأضحكته أنا، ولكن سَمِعَ غيره في » وقف « المتعدي أوقفته.
قال الراغب :» ومنه - يعني من لفظِ وقفتُ القوم- اسْتُعِيرَ وقفت الدَّابَّة إذا سَبلْتَهَا « فجعل الوقف حقيقةٌ في مَنْع المشي، وفي التَسْبِيلِ مَحَازاً على سبيل الاسْتِعَارَةِ، وذلك أن الشَّيْءَ المُسْبَلَ كأنه ممنوعٌ من الحركةن والوقف لفظٌ مشترك بين ما تقدَّمَ وبين سوارٍ من عاجٍ، ومنه : حمار مُوقَّفٌ بأرْسَاغِهِ مِثْلُ الوقْفِ من البَيَاضِ.