فصل في معنى الوقوف على النار


وقال الزجاج- رحمه الله تعالى- : ومعنى وقفوا على النَّار يحتمل ثلاثة أوجه :
الأول : يجوز أن يكون قد وفقوا عندها وهم يُعَاينُوها فهم موقوفون على أن يدخلوا النار.
الثاني : يجوز أن يكون وقفوا عليها وهي تحتهم بمعنى أنهم وقفوا فوق النَّار على الصِّراطِ، جِسْرٌ فوق جَهَنَّمَ « على النَّار ».
[ الثالث :] معناه : أنهم عرفوا حقيقتها تعريفاً من قولك :« وقَّفْتُ فلاناً على كلام فلان » أي : عَلَّمتُهُ معناه وعرَّفته، وفيه الوجه المتقدِّم، وهو أن يكون « على » بمعنى « » في «، والمعنى أنهم يكونون غَائِصينَ في النَّارِ، وإنَّما صحَّ على هذا التقدير أن يقول : وقفوا على النَّار، لأن النَّار دَرَكَاتٌ وطَبَقَاتٌ بعضها فوق بعض، فيصح هناك معنى الاسْتِعْلاَء.
قوله :»
يا لَيْتنا « قد تقدَّم الكلام في » يا « المُبَاشرة للحرف والفعل.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، والكسائي »
ولا نثكَذِّبُ « و » نكون « برفعهما وبنَصْبهمَا حمزة، وحفصُ عن عاصم، وبرفع الأول ونصب الثاني ابن عامر، وأبو بكر.
ونقل أبو حيَّان عن ابن عامرٍ أنَّهُ نصب الفعلين، ثم قال بعد كلام طويل : عن ابن عامر :»
ولا نكذِّب « بالرفع، و » نكون « بالنصب، فأمَّا قراءة الرفع فيهما، ففيها ثلاثةُ أوجه :
أحدهما : أن الرفع فيهما على العَطْفِ على الفِعْلِ قبلهما، وهو »
نُرَدُّ «، ويكونون قد تَمَنَّوا ثلاثة أشياء : الرَّدّ إلى دار الدنيا، وعدم تكذيبهم بآيات ربهم، وكونهم من المؤمنين.
والثاني : أن »
الواو « واو الحال، والمضارع خبر مبتدأ مُضْمَرٍ، والجُمْلَةُ الاسمية في مَحَلِّ نصب على الحال من مرفوع » نُرَدُّ «.
والتقدير : يا ليتنا نُرَدُّ غيرَ مكذَّبين وكائنين [ من المؤمنين فيكون تمني الرد مقيداً بهاتين الحالين، فيكون الفعلان ] أيضاً داخلين في التمنّي.
وقد اسْتَشْكَلَ الناسُ هذهين الوجهين، بأن التَّمَنِّي إنشاءن والإنْشَاءُ لا يدخله الصِّدْقُ ولا الكذب، وإنما يدخلان في الأخبار، وهذا قد دَخَلَهُ الكَذِبُ لقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ] وقد أجابوا عن ذلك بثلاثة أوجه :
أحدهما : ذكره الزمخشري- قال : هذا تَمَنِّ تضمَّنَ معنى العِدَة، فجاز أن يدخله التَّكْذِيبُ كما يقول الرَّجُلُ :»
ليت اللَّه يرزقني مالاً فأحْسِن إليك، وأكَافِئَكَ على صَنيعِكَ « فهذا مُتَمَنِّ في معنى الواعد، فلو رُزِقَ مالاً ولم يُحْسِنَ إلى صاحبه، ولم يكافئه كذب، وصَحَّ أن يقال له كاذب، كأنه قال : إن رزقني اللَّهُ مالاً أحسنتُ إليك.


الصفحة التالية
Icon