قوله تعالى :﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الذي يَقُولُونَ ﴾ « قد » هنا حرف تَحْقِيقٍ.
وقال الزمخشري والتبريزي :« قد نعلم » بمعنى رُبَّمَا التي تجيء لزيادة الفِعْلِ وكثرته، نحو قوله :[ الطويل ]
٢١٤٨-.................. | [ وَلَكِنَّهُ ] قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلهُهْ |
٢١٤٩- قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أنَامِلُهُ | كَأنَّ أثْوَابَهُ مُجَّتُ بِفِرْصَادٍ |
٢١٥٠- أخِي ثِقَةٍ لا تُتْلِفُ الخَمْرُ مَالَهُ | ولَكنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المَالَ نَائِلُهْ |
قال شهابُ الدين : قَدْ يُحَابُ عنه بأن التكثير في متعلِّقات العِلْمِ لا في العِلْمِ، [ ثم قال ] : وقوله بمعنى « رُبَّمَا » التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته المشهور أنَّ « رُبَّ » للتقليل لا للتَّكْثير، وزيادةُ « ما » عليها لا يخرجها عن ذلك بل هي مُهيِّئةٌ لدخولها على الفعِل، و « ما » المهيِّئةُ لا تزيل الكَلِمَة عن معناها الأصلي، كما لا تزيل « لَعَلَّ »، عن الترجي، ولا « كأنَّ » عن التشبيه، ولا « ليت » عن التمني.
وقال ابن مالك :« قد » ك « رُبَّمَا » في التقليل والصَّرفِ إلى معنى المضيّ، وتكون في حينئذٍ للتَّحقيق والتوكيد، نحو ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ﴾ [ الأنعام : ٣٣ ] ﴿ وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله ﴾ [ الصف : ٥ ].
وقوله :[ الطويل ]
٢١٥١- وَقَدْ تُدْرَكُ الإنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ | وَلَوْ كَاننَ تَحْتَ الأرْضِ سِبْعينَ وَادِيَا |
وقال مكي : و « قد » هنا وشبهه تأتي لتأكيد الشيء، وإيجابه، وتصديقه، و « نَعْلَمُ » بمعنى عَلِمْنَا.
وقد تقدم الكملام في هذه الحروف وأنها مُتَردِّدَةٌ بين الحَرْفيَّةِ والاسميَّةِ.
وقال أبو حيَّان : هُنَا « قَدْ » حرف تَوَقُّع إذا دخلت على مُسْتَقْبَلِ الزمان كان التوقُّعُ من المتكلّم؛ كقولك : قد ينزل المَطَرُ شَهْر كذا، وإذا كان مَاضِياً و فَعْلَ حَالٍ بَمَعْنَى المضيّ كان التوقع عند السَّامِعِ.
وأمَّا المتكلِّم فهو مُوجب ما أخبر به، وعبَّر هنا بالمُضَارع إذ المُرادُ الاتِّصَافُ بالعِلْمِ واسْتِمْرَرُهُ، ولم يُلْحَظْ فيه الزمانُ كقولهم :« هو يُعْطِي ويَمْنَعُ ».
« ليحزنك » سَادٌ مَسَدّ المفعولين، فإنها معلَّقَةٌ عن العمَل، وكُسِرَتْ لدخول « اللام » في حَيِّزهَا، وتقدَّم الكلامُ في « ليحزنك »، وأنه قُرِئَ بفتح الياءِ وضَمِّهَا من « حَزَنَهُ » و « أحْزَنَهُ » في آل عمران.