قال أبو علي :« قولهم :» أرَأيْتَكَ زَيْداً ما فعل « بفتح » التاء « في جميع الأحوال، فالكافُ لا يخلو أن يكون للخطاب مُجَرَّداً، ومعنى الاسمية مَخْلُوعٌ منه، أو يكون دالاً على الاسم مع دلالتهِ على الخطابٍ، ولو كان اسْماً لوجب أن يكُون الاسْمُ الذي بعده هو هو؛ لأن هذه الأفعال مفعولها الثَّاني هو الأوَّل في المعنى، لكنه ليس به، فتعيَّن أن يكون مَخْلُوعاً منه الاسميَّةُ، وإذا ثبت ا، ه للخطَابِ مُعَرى من الاسمية ثَبَت أن » التاء « لا تكون لِمُجرَّدِ الخطابِ، ألا ترى أنه لا ينبغي أن يَلْحَقَ الكَلِمَةُ علامتَا خطاب، كما لا يحلقها علامتا تأنيث ولا علامتَا استفهامٍ، فلمَّا لم يَجُزْ ذلك أفرِدَت » التاءُ « في جميع الأحْوَالِ لمَّا كان الفِعْلُ لا بُدَّ من فاعلٍ، وجُعِلَ على لَفْظٍ واحد اسْتِغْنَاءً بما يَلْحَقُ » الكاف «، ولو لحق » التاء « علامةُ الفروع علامتَانِ للخطاب مما كان يَلْحَقُ » التاء «، وممَّا كان يلحق » الكاف «، فلما كان ذلك يُؤدِّي إلى ما لا نَظِيرَ له رُفِضَ، وأجْرِي على ما عليه سِائِرُ كلامهم ».
وقال الزَّجَّاج بعد حكايته مَذْهَبَ الفراء :« وهذا القَوْلُ لم يَقْبَلُهُ النحويون القُدَمَاءُ وهو خَطَأٌح لأنَّ قولك :» أرأيت زَيْداً ما شأنه « لو تعدَّتِ الرؤية إلى » الكاف « وإلى زيد لصار المعنى : أرَأتْ نَفْسُكَ زيداً ما شأنُهُ وهذا مُحَالٌ » ثم ذكر مذهب البصريين.
وقال مكِّي بن أبي طالبٍ بعد حكايته مَذْهَبَ الفرَّاءِ :« وهذا مُحَالٌ، لأنَّ » التاء « هي » الكاف « في » أرأيتكم «، فكان يجب أن تُظْهَرَ علامةُ جمع » التاء « وكان يجب أن يكون فاعلان لفعلٍ واحدٍ وهما لِشَيءٍ واحد، ويجب أن يكون معنى قولك :» أرأيتك زَيْداً ما صَنَعَ « : أرأيْتَ نَفْسَكَ زَيْداً ما صنع؛ لأن » الكاف « هو المُخَاطَبُ، وهذا مُحَالٌ في المعنى، ومُتَنَاقِضٌ في الإعراب والمعنى؛ لأنك تَسْتَفْهِمُ عن نفسه في صَدْرِ السُّؤال، ثم ترد السؤال إلى غيره في آخره وتخاطبه أولاً، ثم تأتي بغائبٍ آخر، أو لأنه يَصِيرُ ثلاثة مفعولين ل » رأيت «، وهذا كله لا يَجُوزُ. ولو قلت :» أرأيتك عالماً بزيد « لكان كلاماً صحيحاً، وقد تعدَّى » رأى « إلى مفعولين ».
وقال أبو البقاء بعدما حكا مذهب البصريين :« والدَّليلُ على ذلك أنها - أي » الكاف « - لو كانت اسْماً لكانت : إمَّا مَجْرُورةً - وهو باطلٌ إذ لا جارَّ هنا - وإمَّا مَرْفثوعَةٌ، وهو باطِلٌ أيضاً لأمرين :
أحدهما : أن »
الكاف « ليست من ضمائر الرفع.


الصفحة التالية
Icon