وأما الثَّاني، فإنه يُؤدِّي إلى عدم الجواب بالفاء في موضع كان يجبُ فيه الإتْيَانُ بها وهذا بخلاف هل، فإنك تأتي بالفاءِ قبلها، فنقول :« إن قمت فهل زيد قَائِم » ؛ لأنه ليس لها تمامُ التصدير الذي تَسْتَحِقُهُ الهمزة، ولذلك تَصَدَّرتْ على بعض حروف العطفِ، وقد تقدَّم [ مشروحاً ] مراراً.
الثالث : أنه « أغير الله » وهو ظَاهِرُ عِبَارَةِ الزمخشري، فإنه قال :« ويجوز أن يتعلَّق الشَّرْطُ بقوله :» أغير اللَّهِ تدعون «، كأنه قيل : أغير الله تَدْعُون إن أتاكُمْ عَذابُ الله ».
قال أبو حيَّان : ولا يجوز أن يتعلِّق الشرطُ بقوله :« أغير الله » ؛ لأنه لو تعلَّقَ به لكانَ جواباً له، لكنه لا يقع جواباً، لأن جواب الشَّرْط إذا كان اسْتِفْهاماً بالحرف لا يَقَعُ إلا ب « هل » وذكر ما قدَّمْتُه إلى آخره، وعزاه الأخفَشُ عن العرب، ثم قال :« ولا يجوز أيضاً من وجْهْ آخر؛ لأنَّا قد قرَّرْنَا أنَّ » أرأيتك « مُتعدِّيةٌ إلى اثنين؛ أحدهما في هذه الآية محذوفٌ، وأنه من باب التَّنازُعِ، والآخر وقعت الجُملةُ الاستفهَامِيَّةُ موقعه، فلو جَعَلْتَهَا جواب الشَّرْطِ لبقيت » أرأيتكم « مُتعدِّيَةً إلى واحدٍ، وذلك لا يجوز ».
قال شهابُ الدين : وهذا لا يَلْزَمُ الزمخشري، فإنه لا يرتضي ما قاله من الإعراب المُشَارِ إليه.
قوله :« يلزم تعدِّيهَا لِوَاحِدٍ ».
قلنا : لا نُسَلَّمُ، بل يتعدَّى لاثْنَيْنِ محذوفين ثانيهما جملة الاستفهام، كما قدَّره غَيْرُهُ : ب « أرأيتكم عبادتكم هل تنفعكم » ثم قال :« وأيضاً التزامُ العرب في الشَّرْط الجائي بعد » أرأيت « مُضِيَّ الفعل دليلٌ على أنَّ جوابَ الشرط محْذُوفٌ، لأنه لا يُحْذَفُ جوابُ الشرط إلاَّ عند مُضِيَّ فِعْلِهِ، قال تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله ﴾ [ الأنعام : ٤٧ ] ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ الله ﴾ [ الأنعام : ٤٦ ] ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله ﴾ [ القصص : ٧١ ] ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ ﴾ [ يونس : ٥٠ ] ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢٠٥ ] ﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وتولى ﴾ [ العلق : ٣١ ] إلى غير ذلك من الآيات.
وقال الشاعر :[ الرجز ]
٢١٦٧- أرَيْتَ إنْ جَاءَتُ بِهِ أمْلُودَا... وأيضاً مَجيءُ الجملة الاستفهاميَّةِ مصدَّرةً بمزة الاستفْهَامِ دليلٌ على أنها ليست جوابَ الشَّرْط، إذ لا يَصِحُّ وُقُوعُهَا جواباً للشرط »
انتهى.
ولمَّا جوَّز الزمخشري أن الشَّرْطَ مُتعلِّقٌ بقوله :« أغَيْرَ الله » سأل سؤالاً، وأجاب عنه، قال :« فإن قلت : إن علّقت الشِّرْط به، فما تصْنَعُ بقوله :﴿ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُون إليه ﴾ مع قوله :﴿ أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة ﴾، وقوارعُ السَّاعةَ لا تُكْشَفُ عن المشركين؟
قلت : قد اشترط في الكَشْفِ المَشِيئِةَ وهو قوله :»
إنْ شَاءَ « إيذَاناً بأنه إنْ فَعَلَ كان له وَجْهٌ من الحكمة، إلا أنه لا يَفْعَلُ لِوَجْهٍ آخرَ من الحكمة أرجح منه ».


الصفحة التالية
Icon