قال أبو حيَّان :« وهذا مَبْنِيُّ على أن الشَّرطَ متعلقٌ ب » أغير الله « وقد اسْتَدْلَلْنَا على أنه لا يَجُوزُ ».
قال شهابُ الدين : ترك الشَّيخُ التَّنْبِيهَ على ما هو أهَمُّ من ذلكن وهو قوله :« إلاَّا أنه لا يقعل لوجهٍ آخر من الحِكْمَةِ أرْجَحَ منه » وهذا أصْلٌ فاسدٌ من أصُولِ المعتزلة يزعمون أن أفعاله - تعالى تابعةٌ لمصالحَ وحكم، يترَّجحُ مع بعضها الفعلُ، ومع بعضها التركُ، ومع بضعها يَجبُ الفعلُ أو الترك، تعالى الله عن ذلك، بل أفْعِالُهُ لا تُعَلَّلُ بغرضٍ من الأغراض، ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَل ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ]، كما تقرر في علم الأصول.
الرابع : أن جوابَ الشَّرْطِ محذوف تقديره : إن أتاكم عذابُ الله، أو أتتكم السَّاعَةُ [ دَعَوْتُمْ ] ودَلَّ عليه قوله :« أغير الله تدعون ».
الخامس : أنه مَحْذُوفٌ أيضاً، ولكنه مُقدَّرٌ من جِنْسِ ما تقدَّم في المعنى، تقديره : إن أتاكم عذابُ الله، أو أتتكم السَّاعةُ فأخبروني عنه أتَدْعُونَ غير الله لِكَشْفِهِ، كما تقول :« أخبرني عن زيدٍ إن جاءك ما تصنعُ به »، أي إن جاءك فأخْبِرْنِي عنه، فحذف الجوابُ لدلالة « أخبرني » عليه، ونظيرُهُ : أنت ظَالِمٌ إن فعلت، أي : فأنت ظَالِمٌ، فحذف « فأنت ضَالِمٌ » لدلالة ما تقدَّم عليه.
وهذا ما اختارَهُ أبو حيَّان.
قال :« وهو جارٍ على قواعدِ العربية » وادَّعى أنه لم يَرهُ لغيره.
قوله :﴿ أَغَيْرَ الله تَدْعُون ﴾.
« غَيْرَ » مفعول مُقدَّمٌ ل « تَدْعون »، وتقديمُه : إمَّا للاخْتِصَاصِ كما قال الزمخشري : بَكَّتَهُمْ بقوله : أغير الله تَدْعُون، بمعنى : أتَخُصُّونَ آلهتكم بالدَّعْوةِ فميا هو عَادَتُكُمْ إذا أصَابَكُمْ ضُرُّ، أم تدعون الله دونها، وإمَّا للإنْكَارِ عليهم في دُعَائِهِمْ للأصْنَامِ، لأن المُنْكَرِ إنما هو دُعَاءُ الأصْنَام لا نَفْسُ الدُّعاء، ألا ترى أنك إذا قلت :« أزَيْداً تضربُ » إنما تُنْكِرُ كَوْنَ « زيد » محلاَّ للضَّرْب، [ ولا تُنْكِرُ نَفْسَ الضرب، ] وهذا من قَاعِدَةِ بَيَانِيَّةٍ قدمت التنبيه عليها عند قوله تعالى :﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني ﴾ [ المائدة : ١١٦ ].
قوله :﴿ إنْ كُنْتُمْ صادقِينَ ﴾ جوابه مَحْذُوفٌ لدلالة الكلام عليه، وكذلك مَعْمُولُ « صَادِقِنَ »، إن كنتم صَادِقينَ في دعْوَاكُمْ أنَّ غير الله إلهٌ، فهل تَدْعونه لِكَشْفِ ما يَحُلُّ بكم من العذابِ؟
فصل في المراد من الآية
معنى الآية : قال ابن عبَّاسِ : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : أرأيتكم إن أتاكُمْ عذابُ الله قبل الموتِ، أرأيتكم السَّاعة يعني العذاب يوم القيامة، أترجعون إلى غير الله في دَفْعِ البلاء والضُّرِّ، أو ترجعون إلى الله في دَفْعِ البلاء والمِحْنَةِ لا إلى الأصنام والأوثانَ، وأراد الكُفَّارَ يدعون الله في أحْوالِ الاضْطِرَارِ كما أخبر اللَّهُ عنهم