﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ [ لقمان : ٣٢ ] لا جرم قال :« بَلْ إيَّاهُ تدعُونَ » « بل » حرفُ إضْرَابٍ وانتقال، لا إبطال لما عُرِفَ غير مَرَّةٍ من أنها في كلام اللَّهِ كذلك، و « إيَّاه » مفعول مُقدَّمٌ للاخْتِصَاصِ عند الزمخشري، ولذلك قال : بل تَخُصُّونه بالدُّعاءِ، وعند غيره للاعْتِنَاء، وإن كان ثَمَّ حَصْرٌ واختصاصٌ فمن قَرينةٍ أخرى، و « إياه » ضمير منصوبٌ مُنْفِصلٌ تقدَّم الكلامُ عليه في « الفاتحة ».
وقال ابن عطية :« هنا » إيَّا « اسم مُضْمَرٌ أجري مجرى المظهرات في أنه مضاف أبَداً ».
قال أبو حيان : وهذا خِلافُ مذهب سيبويه أن ما بعد « إيَّا » حرف يُبَيَّن أحْوالَ الضمير، وليس مُضَافاً لما بعده لئلا يَلْزَمُ تَعْرِيفُ الإضافة، وذلك يِسْتَدْعِي تنكيره، والضَّمَائِرُ لا تَقْبَلُ التنكير فلا تَقْبَلُ الإضافة.
قوله :« ما تَدْعُونَ » يجوز في « ما » أربعةُ أوجهٍ :
أظهرها : أنها موصولةٌ بمعنى « الذي »، أي : فيكشف الذي تَدْعُونَ، والعائدُ محذوف لاسْتِكَمَالِ الشروط، أي : تَدْعُونَهُ.
الثاني : أنها ظَرْفِيَّةٌ، قاله ابن عطية، وعلى هذا فيكون مَفْعُول « يكشفُ » مَحْذُوفاً تقدير : فيكشف العذابَ مُدَّة دعائكم، أي : ما دُمْتُمْ داعينه وقال أبو حيَّان : وهذا ما لا حاجةَ إليه مع أنَّ فيه وصْلها بمضارعٍ، وهو قليلٌ جداً تقول :« لا أكَلِّمُكَ ما طلعت الشمسُ »، ويضعف :« ما تَطْلَعُ الشمس ».
قال شهاب الدين : قوله :« بمُضارع » كان يبغي أن يقُول :« مثبت » ؛ لأنه متى كان مَنْفِيَّا ب « لم » كَثُرَ وصْلُهَا به، نحو قوله :[ الطويل ]
٢١٦٨- وَلَن يَلْبَثَ الْجُهَّالُ أنْ [ يَتَهَضَّمُوا ] | أخَا الحِلْمِ مَا لِمْ يِسْتَعِنْ بِجَهُولِ |
٢١٦٩- أطوِّفُ مَا أطَوِّفُ ثُمَّ آوِى | إلَى أمَّى وَيَرْوينِي النَّقِيعُ |
٢١٧٠- أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثُمَّ آوِي | إلَى بِيتٍ قَعِيدَتُهُ لكَاعٍ |
الثالث : أنها نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ ذكره أبو البقاء، والعِائِدٌ أيضاً مَحْذُوفُ أي : فيكشفُ شَيْئاً تَدْعُونه، أي : تَدْعُونَ كشْفَهُ والحَذْفُ من الصِّفَةِ أقَلُّ منه من الصلة.
الرابع : أنها مَصْدَرِيةٌ، قال ابن عطيَّة :« ويَصِحَّ أن تكون مَصْدَرِيَّةً على حذفٍ في الكلام ».
قال الزجَّاج : وهو مثْل « ﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
قال شهاب الدين : فيكشف سبب دعائكم وموجبه.
قال أبو حيَّان : وهذه دَعْوَى محذوف غير مُعَيّن، وهو خلافُ الظاهر.
وقال أبو البقاء :» وليست مَصْدَرَيَّةً إلاَّ أن تَجْعَلَهَا مصدراً بمعنى المفعول « يعني يصير تقديره : فيكشف مَدْعُوَّكُمْ، أي : الذي تَدْعُون لأجله، وهو الضُّرُّ ونحوه.
قوله :» إليه « فيما يتلَّق به وجهان :
أحدهما : أن تيعلَّق ب » تَدْعون «، والضَّمير حينئذٍ يعود على » ماط الموصولة، أي : الذي تَدْعُون إلى كَشْفِهِ، و « دعا » بالنسبة إلى متعلّق الدعاء يتعدَّى ب « إلى » أو « اللام ».